قصة قصيرة جدا
عائد عبر جسر الحياة
يتذكر هذا الطفل جيداً يوم أتى إلى العالم الأرضي بعد رحلة برزحه في العالم الآخر، كان في العالم الآخر يعيش حياة مثالية في عالم من النور الخالص، حيث لا شمس ولا برد ولا حرارة ولا قمر ولا ضوء ولا طاقة، إلا من النور المنبعث من وجه ربنا الأعلى صاحب عالم النور ومليكه.
أخبروه في العالم الآخر بأن موعد أوبته إلى العالم الأرضي قد حان لكي يولد من جديد، وأعطوه كامل الحرية لأن يطل على العالم الأرضي من عليائه ليختار أمه التي سوف يعبر إليها، ووضحوا له أن عليه ألا يتعجل في الاختيار، ولا يختار إلا المرأة التي يحبها قلبه، لأن الحب هو المعيار الوحيد السائد في العالم الآخر، حيث لا كره ولا حسد ولا أحقاد.
نظر عبر سديم الضوء إلى العالم الأرضي، رأى نساءً كثر بالعالم الأرضي، لكن أي منهم لم ترق له لتكون أمه التي سيختارها، أعاد النظر المرة تلو المرة دون أن يرى امرأة يحبها قلبه لتكون أمه، لكنه وبعد عشرات المحاولات وقع نظره على امرأة محددة حرمت من الأبناء رغم زواجها منذ ثلاث سنوات، كانت في تلك اللحظة ترفع يديها للمولى عز وجل تسأله الذرية الصالحة، فتعلق قلبه بها دون آلاف نساء الأرض اللائي رآهن عبر سديم الضوء، أو لعل الله قد استجاب لدعائها بتحبيبه فيها.
كانت الأم جالسة في حديقة المنزل على ذلك الكرسي المزخرف بأشكال هندسية، ومطلي بلون أبيض ومزين باللون الذهبي، وقد أعطى هذا اللون شكلاً فريداً لحديقة المنزل الصغيرة المكونة من شجرتي نخيل وشجرة لوز وشجرة توت وبعض الورود، بالإضافة إلى العشب، ذهب الطفل إلى أمه التي سمح له في العالم الآخر أن يختارها من العالم الأرضي بحرية تامة، وضع رأسه ويديه على بطن أمه وأغمض عينيه، بعد دقائق فتح عينيه ونظر فوجد نفسه داخل رحم هذه المرأة التي اختارها أماً.
انزعج الطفل كثيراً من الظلام الحالك داخل الرحم، فهو قد تعود على العيش في عالم النور في ضوء سرمدي، وتعجب جدا من أنه بدأ يأكل من حبل مرتبط بها، وفرح جدا عندما أحسَّ بالفرح العارم من أمه الأرضية بمقدمه، تبعه فرح آخر من أبيه الأرضي زوج هذه المرأة.
شعر بسعادة غامرة من هذه الحفاوة التي وجدها من أبيه وأمه، وابتسم ابتسامة كبيرة وهو يسمعهما يتحدثان عن سعادتهما به، فمنذ أن أكتشفت الأم بأنها حامل بطفلها الأول ظلت تحدثه كل يوم، عن أنها سوف توفر له حياة رائعة، وحنان دافق ونعيم لا ينقطع.
كان الطفل يحلم داخل رحم أمه كل يوم بأنه يلعب في حديقة ألعاب حديثة، كانت الحديقة كبيرة، عند أبوابها يوجد تصاميم لشخصيات كرتونية، وبداخلها بحيرة، يتوسط البحيرة أنواع من البط والأوز، وعلى طول الحديقة مختلف أنواع الورود والأشجار، بينما تقع منطقة الألعاب في آخر الحديقة، وكان هناك نفق مغطى بالورد يؤدي إلى الألعاب.
دخل الطفل هذا النفق الذي رآه في حلمه طيفا قبل سنتين وهو داخل رحم أمه، دخله برفقة أمه، وقال لأمه لقد ذكرني هذا النفق بجسر الحياة الذي جئت منه إلى هذا العالم، قالت له الأم: هل أتيت عبر جسر إلى العالم؟ قال الطفل نعم ولكن كان ذاك الجسر من نور وليس من ورود، ضحكت الأم ولم تصدق ما قاله طفلها، وظنتها ومضة من خيال الطفولة الذي يصور للأطفال عوالم خيالية، وذهب الطفل إلى اللعب.
أثناء لعبه في لعبة الحبل والتسلق سقط الطفل وبكى، جاءت أمه إليه مسرعة وحضنته.
قالت الأم للطفل: لا تبكي كل شيء بخير.
هدأ الطفل وقال لأمه: أنا أحبكِ يا أمي.
قالت الأم: وأنا أحبك أكثر يا صغيري الجميل.
فقال لها الطفل: لا يا أمي، أنا أحببتك أولاً، أنا اخترتكِ أولاً، قبل أن آتي إلى هنا، فتجمدت الأم في مكانها من سماعها لهذه الكلمات وعرفت أنها أمام معجزة وليس طفلا صغيرا.