من علوم الحديث النبوي الشريف: الجرح والتعديل

(علم الجرح والتعديل) ويسمى أيضا (علم السند) و(علم الرجال) هو علم من علوم الحديث الشريف موجه لسند الحديث ورواته لا لمتنه (اي نصه) ويشمل الجرح والتعديل التابعين فقط ولا يتطرق للصحابة فالصحابة كلهم عدول بإجماع علماء أهل السنة والجماعة بعكس الشيعة الذين يشككون في بعض الصحابة، اما اهل السنة مالكية وشافعية وحنابلة وحنيفة، فلا يخوضون في صحابي بالفحص حول عدله أو عدمه لأن القرآن الكريم مدح كل الصحابة قال تعالى: (محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم ........الخ) ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا تسُبُّوا أَحداً من أصحابي، فإنَّ أحدكم لو أَنفق مثل أُحُدٍ ذهباً ما أدرك مدَّ أحدهم ولا نصيفه) ويشمل الفحص في الأمانة والدقة التابعين منذ القرن الأول وان اتفق كثير من العلماء على عدل الائمة الأربعة، وأن السؤال عن عدل مالك أو الشافعي أو أحمد بن حنبل أو أبو حنيفة النعمان مضيعة للوقت لان عدلهم قد قتل بحثا فمعروف عنهم الأمانة العلمية والورع والتقوى والتدقيق في جمع الأحاديث، لأنهم ممن يضربون أكباد الإبل بين الدول مع مشقة السفر للاستيثاق من صحة الأحاديث التي معهم، والمقارنة بين رواياتهم وروايات غيرهم من علماء الحديث، وهذا معنى العدل في علم الجرح والتعديل وعكسه الجرح وهو تطرق الشك براوي من رواة الحديث بالكذب او التدليس او الوضع واحيانا لا يعتبر احد الرجال عدلا لو لم يعرف عنه جديته في دراسة وتمحيص وتوثيق الأحاديث حتى وان لم يكن كذابا ولا مدلسا
فعلم الجرح والتعديل يبحث في العنعنة ويتأكد من أن كل من نقل عن الآخر عاش معه في نفس القرن والتقيا وسمعا من بعضهما، فمثلا الحديث الأخير في صحيح مسلم: (حدثنا عمرو بن زرارة حدثنا هشيم عن أبي هاشم عن أبي مجلز عن قيس بن عباد قال: سمعت أبا ذر الغفاري .......) وصل لدينا الحديث عبر خمسة تابعين هم عمرو بن زرارة عن هشيم عن ابي هاشم عن ابي مجلز عن قيس بن عباد والاخير وهو قيس بن عباد سمع من الصحابي أبوذر القفاري، مرفوعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فعلم الجرح والتعديل ليس من شأنه البحث حول أبي ذر لأن الصحابة كلهم عندهم عدول، بل يتوجه للتابعين ابتداء من عمرو بن زرارة فيبحث عن عدله وأمانته ومدى صدقه ومدى جديته في الشغل بعلوم الحديث وهل صحيح انه عاش مع هشيم في نفس القرن؟ وهل حقا يرجح لقاؤهما وحديثهما لبعضهما فاذا استوثق من كل ذلك توجه لمن يليله بنفس الدراسة وهكذا الى آخرهم وهو قيس بن عبيد فاذا وجدهم جميعا من أهل الثقة والورع والأمانة العلمية وجدية الاشتغال بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم بأن هذا الحديث رجاله رجال الصحيح وبذا يورده على أنه حديث صحيح، فاذا تطرق الشك لأي واحد من رجال الحديث استبعده، لحين الدراسة والتمحيص مرة أخرى.. لذا فان مسلم لم يورد من جملة الاحاديث الموجودة معه وقدرها ٤٠ الفا سوى اربعة الاف حديث فقط جزم بانها صحيحة ١٠٠٪؜ واهمل مادون ذلك، وبنفس الأسلوب سار البخاري فلم يقدم سوى ٢٩٥٠ حديثا من جملة ٥ آلاف حديث يحفظها عن ظهر قلب.
والخلاصة: الجرح والتعديل هو علم يختص بدراسة سند الحديث دون متنه، ويقصد بسند الحديث الرجال الذين رووا الحديث، بينما يعني المتن نص الحديث.
ففي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الامام البخاري رضي الله عنه: حدثنا الحميدي عبد الله بن الزبير قال حدثنا سفيان قال حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري قال أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)
فالأشخاص الملونين باللون الأزرق من الامام البخاري وصولا لعمر بن الخطاب هم سند هذا الحديث، وسموا سند الحديث لأنهم يسندونه إلى مصدره وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما يسمى السند أيضاً بالعنعنة لأننا نقول عن عن كما يسمي أيضا بالثنثنة لأنه يقول حدثنا حدثنا، أو أخبرنا أخيرنا
أما متن الجديث فهو الجزء البرتقالي الذي يتمثل في نص الحديث.
فعلماء الجرح والتعديل يدرسون كل هؤلاء الرواة ابتداءا من التابعي الأول الذي روى عن الصحابي وهو في المثال الذي معنا ( علقمة) ووصولا لأخر تابعي حدث البخاري أو مسلم وهو هنا: (الحميدي عبد الله بن الزبير) للتأكد من مدى صدقهم وأمانتهم في النقل من جهة، ومدى دقة الرواية مما قبله وهل هو عاصره وعاش معه في نفس العصر حتى يسمع منه من جهة ثانية.
ورغم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ممن أسندوا الحديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنه لا يدخل في الفحص والتمحيص، فقد إتفق علماء الجرح والتعديل على أن الصحابة رضوان الله عليهم كلهم عدول لا يتطرق لهم الجرح والشكوك، لذا فان البحث في صدق رجل كعمر بن الخطاب هو ضرب من التكلف والتعب الذي لا داعي له بعد أن وصفهم الله تعالى نفسه بالعدل في قوله تعالى ( محمد رسول الله والذين آمنوا معه أشداء على الكفار ......) ..
وبعد التأكد من صحة التسلسل التاريخي لهؤلاء الرجال، وبعد التأكد من أنهم ليس من بينهم من هو مجروح في تقواه وصدقه ودقة وجدية ما يبذل من تتبع وتدقيق يقولون لك هذا الحديث صحيح أو حسن أو ضعيف أو موضوع أو أي حكم آخر من عشرات أوصاف ومراتب الحديث سواء بالسلب أو الايجاب[/size]