ومضة
مصطفى نصر
دولة (دال) العميقة يا حمدوك
يجمع الخبراء الاقتصاديون على أن ارتفاع أسعار السلع في السودان غيرواقعي ولا مبرر له، حيث تواصل أسعار السلع بمختلف أنواعها ارتفاعها كل يوم، رغم أن سعر صرف الجنيه أمام الدولار الأميركي يسجل أرقاماً تصاعدية، نحو تحسن العملة المحلية المتردية، لكن هؤلاء الخبراء للأسف لا يتحدثون عن الأسباب الحقيقية لتصاعد أسعار السلع بسبب تحكم إمبراطورية أسامة داؤود في السوق تجنباً لتضرر مصالحهم الخاصة.
وقد جاءت كلمة السر في هذا الصدد من بعض أصدقائي تجار صغار في السوق، وضحوا لي أن بقاء الأسعار عند مستوياتها المرتفعة هذه رغم ارتفاع العملة المحلية، مرتبط بالحصول على السلع من الموردين، موضحين أن كل هذا التضخم تصنعه مجموعة شركات دال للمواد الغذائية التي تستمر في رفع أسعار منتجاتها كل يوم رغم تراجع الدولار من منتصف الثمانينيان إلى حدود أوائل الستينيات، ويكفي في ذلك زيادة سعر الزبادي بالأمس القريب من 40 إلى 45ج، وهي زيادة لم تحدث حتى حينما كان سعر الدولار أكبر من المستويات الحالية، معتبرين أنه ليس بإمكانهم خفض الأسعار تجنباً للخسائر.. إذ أن دولة دال العميقة تصر على عدم مراجعة أسعارها، بل زيادتها كل يوم.
ولعل أخطر ما جاء على لسان أصدقائي التجار الصغار هو أن كثيراً من الشركات الصغيرة مقتنعة تماماً بضرورة خفض الأسعار.. لأن إمكانية التخفيض موجودة لتحسن العملة المحلية أولاً، ولأن السوق تشهد بالأساس ركوداً كبيراً، ولا سبيل لزيادة القوة الشرائية لدى المواطنين – خاصة متوسطي ومحدودي الدخل - إلا بخفض الأسعار، لأن العنوان الأساسي اليوم هو أن المواطنين من أصحاب الدخل المتوسط والمحدود عزفوا حتى عن شراء السلع الضرورية لخروجها عن مقدرتهم الشرائية، لكن تحكم دال في السوق يمنعهم من مخالفته لأن بطشها بمن يخالفونها كبير، وأنها بقوة امكانياتها قادرة على إيقاف أي شركة صغيرة ناشئة بإغراق السوق بسلع مستوردة قليلة التكلفة توقف سوقهم.
بل ذهب هؤلاء إلى أن هذه الأخطبوط التي تكلس شحماً ولحماً من مال هذا الشعب لاحتكارها الدقيق لما يزيد عن عقدين، مع أن الدقيق الذي استورده يعتبر الأسوأ والأغلى سعراً في كل تاريخ السودان، والذي تجاوزت استثماراته من هنا وهناك 1.5 مليار دولار، يمثل لب الدولة الاقتصادية العميقة للمؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، وأن الانتباه لسلوكها من قبل الدولة أصبح أمراً حتمياً، خاصة وأنه كان من المحاربين لسياسة الدولة في استيراد الدقيق، وإدخال شركات أخرى تنافسه في هذا المجال، رغم أن شركات كثر كانت مستعدة لاستيراد القمح بأقل من أسعاره التي يقدمها لبنك السودان، ندعو وزير التجارة الشاب مدني عباس مدني أن يراجع نشاط هذه المجموعة، وأن يركز على تعاملاتهم بالعملات الصعبة، إذ أنهم من أكبر المضاربين بالدولار بعد شركات الاتصالات الثلاث.