ومضة
مصطفى نصر
منزل المحجوب.. يا للعار!
* راجت أنباء ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي أن محكمة قضت يوم٢٠ مارس ٢٠١٩ ببيع منزل رئيس الوزراء الأسبق محمد أحمد محجوب في مزاد علني، على أن تؤول قيمته لصالح الدولة، وبالفعل تم البيع لرجل أعمال سوري بقيمة ٧٠ ألف دولار، وقال أحد أفراد أسرة المحجوب - فضل عدم ذكر اسمه - أن قيمة البيع لا تساوي ربع قيمة المنزل السوقية، ناهيك عن قيمته التاريخية، حيث يعتبر هذا المنزل الكلاسيكي الراقي بحي الخرطوم (2)، هو الذي سطر منه زعماء الاستقلال (منفيستو) تقرير المصير، ورسموا على جنباته معالم المستقبل الجديد للسودان بعد الاستقلال، واتحدوا على جلاء المستعمر على وجه السرعة، كما أنه كان محط اجتماعات القيادات التاريخية ما قبل الاستقلال وبعده، شأنه شأن منزل الزعيم "الأزهري" الذي كان يدير حراكاً موازياً في مدينة أم درمان))
* ويعتبر منزل المحجوب من المنازل العتيقة وتظهر معالمه المعمارية الجاذبة كل ما أطلت ذكرى الاستقلال، وهو المنزل الذي شهد المصالحة الشهيرة بين الملك “فيصل” والرئيس المصري “عبد الناصر، وقالت المصادر إنها لا تعلم سبب بيعه لصالح حكومة السودان، خاصة وأن بعض أفراد أسرته ما زالوا على قيد الحياة، نتمنى أن يخرج من أمروا ببيعه ليوضحوا لنا أسباب بيع المنزل، ولماذا تورد قيمته لصالح الدولة، وهل فكروا فيما يدل عليه بيع منزل أحد رموز السودان لرجل أعمال سوري؟ ولماذا بيع بهذا الثمن البخس؟
* يجب أن تسارع الحكومة والجهات التي باعت المنزل للإجابة على هذه الأسئلة، وأن توقف إجراءات البيع فوراً، وأناشد المقتدرين من الرأسماليين الوطنيين لشراء المنزل وطرحه للاكتتاب العام حتى يسهم كل الشعب السوداني في دفع قيمته، للحفاظ على رمزية المكان التأريخية، ما دامت حكومتنا يهمها المال فوق كل قيمة إنسانية أخرى.
* أضم صوتي لصوت الأستاذ القدير الطاهر ساتي في مناشدة المقتدرين ومنظمات المجتمع المدني، في تحويل منزل الزعيم الأزهري ومنزل محمد أحمد المحجوب إلى متحفين أو مؤسستين ثقافيتين، وذلك بعد تعويض أسرهما بمنزلين يليقان بعظمتهما.. نعم أكرموا البيوت العريقة وما فيها من مقتنيات وخطابات وصور وكُتب بحيث تكون متحفاً أومركزاً ثقافياً ومعرفياً لأهل السودان وضيوفهم.. وكما أن الزعيم والمحجوب أجزلا العطاء للأجيال السابقة، فإن ورثتهما أيضاً لن يبخلوا به على الأجيال القادمة، لتخليد تاريخنا الوطني والنضالي.
* يا للعار: لمنزل المحجوب قيمة تاريخية لا تقدر بثمن، ومن الخزي والعار أن يُباع لأجنبي، وهو يحمل لون ورائحة وطعم استقلال بلادنا، وأعلموا أنه لن ترحمكم الأجيال على هذا الإهمال.. فالمحجوب نجم سياسي لامع، وهو أحد القيادات في حزب الأمة .. وناضل من أجل استقلال السودان تحت شعار السودان للسودانيين، فهل نكافئه ببيع بيته؟
* للأجيال الحالية التي لا تعرف المحجوب 1910م- 1976م، فهو ولد بمدينة الدويم بولاية النيل الأبيض .. وعاش في كنف خاله محمد عبد الحليم .. تلقى تعليمه الأولي في الخلوة .. فالكتاب بالدويم .. ثم إلى مدرسة أم درمان الوسطى .. تخرج في كلية الهندسة.. بكلية غردون التذكارية عام 1929م (جامعة الخرطوم الآن) وعمل بمصلحة الاشغال مهندساً .. واهتم بالدراسات الإنسانية، ثم التحق بكلية القانون .. ونال الإجازة في الحقوق عام 1938م .. عمل في مجال القضاء حتى استقال عام 1946م .. ليعمل بالمحاماة، وانتخب عضواً بالجمعية التشريعية عام 1947 .. واستقال منها عام 1948م، ثم تولى منصب رئيس الوزراء عام 1967م، ثم تولى ذات المنصب مرة أخرى عام 1968م إلى جانب مهام وزير الخارجية، وبرز في مجال الأدب والشعر، وكان شاعراً لا يشق له غبار، كتب في الكثير من المجلات والصحف .. أشهرها حضارة السودان .. والنهضة .. ثم الفجر .. وزاوج ما بين السياسة والقانون والفكر والأدب، وعقدت في فترته القمة العربية الشهيرة بقمة اللاءات الثلاث .. واستطاع بحنكته وخبرته التوسط بين الملك فيصل وجمال عبد الناصر.. وأزال الخلافات بينهما بشعره.
آخر لحظة غدا السبت