اضاءات طه النعمان / لا للاهاي

إضاءة الأربعاء 6 نوفمبر

لا للاهاي... ولماذا ؟

* خلال المؤتمر الصحفي الذي انعقد لقوى الحرية والتغيير، بوكالة السودان للأبناء (سونا) الأحد الماضي، وتناول هموم وانشغالات المرحلة الانتقالية.. خصوصا قضايا أصلاح المنظومة العدلية، إعمالا لمنطوق (الوثيقة الدستورية) ، و محاكمة رموز النظام الساقط.. على الجرائم والانتهاكات العديدة والثقيلةالتي اقترفوها في أوقات مختلفة، خلال الثلاثة عقود التي طغوا فيها على البلاد و العباد و أعملوا فيها الفساد.
* أفاد الأستاذ إبراهيم الشيخ مؤسس حزب المؤتمر السوداني، في ذلك المؤتمر، بأن البشير ورموز النظام المطلوبين للعدالة الدولية سيسملون للمحكمة الجنائية، لكن ذلك سيتم بعد إصلاح المنظومة القضائية و محاكمتهم محليا أمام القضاء السوداني..وعمم الشيخ هذه الفرضية باعتبارها تمثل وجهة نظر قوى الحرية والتغيير بأجمعها، وقال لا توجد لديهم مشكلة في التوافق على ذلك.. هذا ما فهمته من شريط الفيديو الذي يسجل إفادة الأستاذ الشيخ.

* ردود الأفعال على هذه الافادة، في مواقع التواصل الاجتماعي، مثلما كان عليه الحال مع تصريحات سابقة نسبت لوزير العدل عبد الباري، فهم منها ذات التوجه بواسطة متحدث باسم ناشطين حقوقيين دارفور يين زاروه- تم نفيها وتوضيحها في وقت لاحق- ردود الفعل جاءت كثيفة وساخنة، بين فريقين.. متحمسين لتسليم البشير و زبانيته، و آخرين من فلول النظام رأوا - كما كان يرغي ويزبد البشير نفسه كلما اعتلى منبرا - في عملية التسليم تمريقا للسيادة والكرامة السودانية، باعتبار أن الجنائية تمثل استعلاء الغرب و سعيه الدائم للسيطرة والهيمنة على الدول الفقيرة و الأفريقية منها على وجه الخصوص.
* لكن إذا عدنا لمناقشة تصريح الاستاذ ابراهيم الشيخ و تلميحات وزير العدل ، عن احتمال تسليم البشير والرموز المطلوبة للجنائية، بموازين العقل والمنطق - بعيدا عن العواطف والأنفعال - وبقراءة بصيرة للمشهد المحيط بالمسألة - كما هو في الواقع- مع تحري الفائدة العملية والمصلحة الوطنية الحقيقية المرجوة من التسليم أو عدمه، فلابد إذن أن نأخذ في الحسبان المحددات التالية لنخرج بنتيجة تتوافق مع أهداف المرحلة وتخدم مشروع الانتقال السلمي الديمقراطي، ودولة القانون التي نعمل لتأسيسها.. والتي نوجزها كما يلي:
* أولا، نحن نعمل، أو بدأنا بالفعل، في عملية اعادة تأسيس وهيكلة نظام قضائي ونيابي نزيه وفاعل وإصلاح قانوني شامل.. هيكلة وإصلاح يخدمان التحول الديمقراطي ونظام الحكم الرشيد، كواحد من أهم أهداف الثورة.
* ثانيا، بإكمال عملية الهيكلة والإصلاح، ينتفي الشرط الموضوعي لمحاكمة مجرمين سودانيين خارج البلاد، وفقا لميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية.. الذي يفترض (عدم قدرة أورغبة) القضاء الوطني كسبب مباشر لجلب أؤلئك المجرمين للمثول أمام المحكمة الدولية.
* ثالثا، المحاكمات الداخلية، لها أولوية قصوى.. بالنظر إلى تعدد جرائم النظام و تنوعها.. بدءا من (جريمة الانقلاب) التي فتحت الباب واسعا لكل الجرائم اللاحقة، كما أبنا هنا أكثر من مرة، ومحاكمتهم عليها تنطوي على بعد سياسي خطير، لكونها تمثل عظة وعبرة رادعة لكل من يفكر بالإنقلاب على نظام ديمقراطي.. فجرائم دارفور الفظيعة وكل الانتهاكات الدموية والمادية الأخرى، ماهي إلا بعض نتائج ذلك الانقلاب المشؤوم.
* رابعا، العالم يراقب خطواتنا، وما اذا كنا نسير حثيثا باتجاه تأسيس دولة القانون المرجوة .. و بالتالي فإن أي محاكمة لسودانيين في الخارج، ستعني عمليا أننا ما زلنا (غير قادرين حتى لو كنا راغبين).. وهذا سيترتب عليه تردد العالم في التعامل معنا، خصوصا في مجالات التعاون الاقتصادي والاستثماري ، جراء المخاوف المترتبة على هذه الحالة، التي لا تعني غير غياب الاستقرار و دولة القانون.
* خامسا وأخيرا، وبما أن قضية دارفور - على أهميتها وخطورتها- هي القضية الوحيدة المطروحة بحيثياتها و شهودها أمام الجنائية الدولية، وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي.. وبما أن القضية ذاتها قد شهدت تحقيقا محليا مهما، من لجنة وطنية.. قادها رئيس القضاء الأسبق المشهود له بالكفاءة و النزاهة مولانا دفع الله الحاج يوسف، الذي طمرت نتائج تحقيقه.. فلن يكون هناك مانع لدى الجنائية في تشكيل محكمة دولية-سودانية مشتركة لمحاكمة البشير و زبانيته من مجرمي دارفور في السودان..
* و بذلك نكون قد فزنا بالحسنيين وزيادة.. و أخرسنا أصوات الفتن والإحن المتربصة، لإثارة النعرات الجاهلية، تحت دعاوى الحرص الكذوب على السيادة الوطنية و الكرامة السودانية، التي لم يرعوها أو يأبهوا لها يوما، طوال عهدهم المديد الغشوم.