إضاءة الثلاثاء 10 ديسمبر
الإرهاب مدخلهم..و كنسه مخرجنا!
* صدق الدكتور حمدوك و أبدع عندما خاطب مضيفيه الأمريكيين وهم يطالبون بتعويضات أسر ضحايا بلادهم عن رعاية (الانقاذ) للعمليات الإرهابية، قائلا: ونحن أيضاً كنا عرضة للإرهاب.
* كانوا يحدثون حمدوك عن ضحايا العمليات الإرهابية التي استهدفت سفارتيهم في كينيا و تنزانيا و السفينة كول الراسية حينها في ميناء عدن، في وقت حولت حكومة البشير-الترابي الخرطوم إلى منتجع آمن للإرهاب وشذاذ الآفاق من كل بقاع الأرض.. وتلاحق أسر الضحايا السودان (الدولة) عبر المحاكم الأمريكية بالاقتصاص لأرواح ضحاياهم، وليس مجرمي النظام الذين ولغوا في تلك الإرتكابات بالرعاية أو التخطيط أو التسهيل.. وتلك إحدى تبعات النظام المخلوع، الذي كان حاديه ينشد مفاخرا (أمريكا و روسيا دنا عذابها)، قبل أن ينقلب- عندما ضاقت به السبل- إلى (متعاون) في الحرب على الإرهاب ، بقيادة صلاح قوش، تقية ونفاقاً، و (استغفالاً) لأمريكا والعالم كما كانوا يظنون.. فقد وقر في قلوب القوم أن الكذب (بضاعة لا تبور) مذ ذهب كبيرهم إلى (السجن حبيساً و البشير إلى القصر رئيساً)
* حمدوك بحكمته و وقاره المعهود، استقبل المطالبة الأمريكية باعتبارها حقاً طبيعياً وشرعياً لمن فقدوا أحبتهم جراء تصرفات نظام غاشم، و غشيم بحيث لا يدرك أن دماء الضحايا لا تسقط بالتقادم، فوافق على المبدأ، لكنه ذكّر محدثيه بأن شرور (الإنقاذ) و جرائمه لم تطالهم وحدهم، بل كان أول وأكبر ضحاياها هم السودانيون أنفسهم.. سعيا لتخفيض مليارات التعويض المطلوبة إلى ملايين الدولارات.
* وفي هذا الإطار لابد أن حمدوك قد روى لسامعيه (أصل الحكاية).. بدءاً من جريمة الإنقلاب وتقويض النظام الدستوري الديمقراطي.. وما استتبعها من جرائم الاعتقال و التعذيب الممنهج للسودانيين في كل مكان لدرجة القتل والاغتصاب، و الحروب (الجهادية) في الجنوب التي قادت للانفصال برد الفعل الطبيعي، و حرب دارفور وإباداتها الجماعية التي قضت على الأخضر واليابس وخلفت ملايين النازحين والمهاجرين، و امتدت لتشمل جنوب كردفان والنيل الأزرق وشرق البلاد.. هذا غير الفساد البشع و غيلانه التي ظهرت في البر والبحر، وجرائم غسل أموال الإرهاب والمخدرات (بالحاويات) العابرة للحدود.
* حمدوك ذهب إلى واشنطن و حقيبته ذاخرة بعدد من الإجراءات والقرارات التي تستهدف تنظيف البلاد من قاذورات النظام المخلوع، التي قادت إلى تصنيفها ضمن منظومة دول الشر الراعية للإرهاب.. أولها قانون تفكيك التمكين الذي صنعه ذلك النظام في أجهزة الدولة، وحل حزبه (المؤتمر الوطني) و ملاحقة رموزه عن جرائم الدم والتعذيب والاعتداء على المال العام، وتشكيل اللجنة الوطنية المستقلة للتحقيق في جريمة فض الاعتصام، بالإضافة إلى أكثر من ثلاثين لجنة مختصة بالنظر في جرائم (الإنقاذ) منذ اعتلت الحكم في 1989، شكلها النائب العام الحبر، بما في ذلك طبعا محاولة اغتيال الرئيس مبارك فى أديس أبابا، و ذيولها الداخلية المتعلقة بتصفية بعض العناصر السودانية المشاركة، حتى لا يتحولوا لشهود محتملين.
* لم يعد حمدوك من زيارته التاريخية للولايات المتحدة خاوي الوفاض، كما كان يفعل مسؤولو النظام السابق (السوّوا الدرِب ساساقه).. بل عاد يحمل في ذات حقيبته القرار الأمريكي المهم بترفيع التمثيل الدبلوماسي لمستوى السفراء، و بوعود مؤسسية بتسريع حذف اسم السودان من القائمة السوداء لرعاية الإرهاب مدعومة من مستشار الأمن القومي روبيرت أوبراين و من وكيل وزارة الخارجية ديفيد هيل و من رجالات الكونغرس الذين أثنوا على التحول المدني- الديمقراطي الذي يشهده السودان.. و بتشكيل لجنة برئاسته مع مسؤولي الإدارة الأمريكية للعمل على رفع اسم السودان من تلك القائمة المنبوذة.
* تلك بعض مؤشرات التفاؤل التي تشهده البلاد مع النشاط المؤثر والخلاق الذي يبذله رئيس الوزراء حمدوك قبيل اللقاء المهم ل(أصدقاء السودان) من أجل دعمه في مواجهة الكوارث الاقتصادية التي خلفها النظام الساقط من ورائه.. والذي لا تزال فلوله تدعوا للمواكب، تتجاسر وتتطاول - دون أدنى حياء - على الشعب الذي اقتلعهم، تراودهم أحلاماً (ظلوطية) بالعودة ليسقوا الوطن من ذات الكأس المسمومة.
* عزز جرعة التفاؤل (الحمدوكية) هذه ، زخة أخرى (برهانية) منعشة تمثلت في اللقاءات التنويرية الميدانية (المتزامنة) لرئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة عبد الفتاح البرهان مع منسوبي الجيش في وادي سيدنا و سلاح المدرعات بالشجرة، التى أرسل من خلالها رسائل، لا يخطؤها النظر، بأن القوات المسلحة لن تفرط في أمن البلاد وأن انحيازها للثورة وبرنامجها لا يقبل التراجع.