ومضة
مصطفى نصر
أيام في الأزهر (10)
*مرت الأيام سريعا في رحاب الاسكندرية.. ونحن في معهد سموحة الأزهري.. كنا كلما توغلنا في الدراسة نكتشف أكثر صعوبة المهمة .. إذ أن النجاح في المعاهد يقاس بالمجموع والمجموع الكلي 1500 نصيب الدراسات الاسلامية وحده 500 درجة فالقرآن الكريم منهجه هو حفظ القرآن كاملا 30 جزءا للطلاب المصريين الذين درسوا من الابتدائي الأزهري وحتى الرابع الثانوي.. أما الطلاب الوافدين من أمثالنا فيكتفون بحفظ الربع الأخير من القرآن.. (ربع يس) ودرجة الحفظ بال تجويد مائة درجة .. وعلوم القرآن من تجويد وتفسير ومناسبات النزول والقراءات والناسخ والمنسوخ مائة درجة.. والفقه والمواريث مائة درجة.. والحديث وعلومه من علوم المتن وعلوم السند والجرح والتعديل مائة درجة والسيرة والمغازي مائة درجة .. وقد كانت كتابتنا أن مذهبنا مالكي أكبر غلطة دفعنا ثمنها غاليا.. إذأ نه ترتب على ذلك أن درسنا في مادة الفقه (الموطأ) كاملا.. ومعروف أن الإمام مالك ما من شاردة وواردة في الفقه إلا وخاض فيها.. وأدلى بدلوه فيها .. ولو أننا كنا نعلم أن المذهب الذي تكتبه ستدرس فقهه لاخترنا كتابة حنفي في خانة المذهب.. لأن أبي حنيفة النعمان فقهه خفيف جدا.. أكثره في فقه الزواج والطلاق .. وكتابه الفقهي صغير جدا مقارنة بموطأ الإمام مالك.. والمواريث معقدة عند الإمام مالك .. أما عند ابو حنيفة فهي أخف.
* وهناك 500 درجة للغة العربية.. مائة درجة لكل فرع من فروعها.. وهي: نحو .. صرف.. بلاغة .. تاريخ أدب .. ونصوص .. و500 درجة لبقية المواد من رياضيات وانجليزي وجغرافيا وتأريخ ونقد أدبي لكل مادة 100 درجة.. وكانت الدراسة تنتهي في الواحدة إلا ثلثا.. وكنا نصل عند الواحدة للمنزل.. وكان يومنا يمر بسلام وقيلولة هانئة.. إلى وقت تناول وجبة الغداء .. إذا لم يكن الميز في ذلك اليوم على غرفتنا * أما في اليوم الذي تكون غرفتنا أنا والزميل الياس هي ضابط الميز فإن اليوم أصعب .. إذ سيكون من واجب واحد منا أن يأتي محملا بأكياس الخضار والخبز .. وعلى الثاني التوجه الى الجمعية للحصول على الفراخ أو اللحم المدعوم .. لتكتمل الوجبة ..
* وأساسيات الميز من سكر وشاي وبصل وزيت وبهارات نعدها سلفا منذ بداية الشهر.. ففي يوم ميزنا يكون واجبنا هو إعداد وجبة الغداء ثم شاي الغداء بعده..ثم نجمع كل الأواني والكبابي ونغسلها ونحفظها.. وكان شعارنا الذي علقناه في حائط المطبخ: (الماعون اللين غسيلو هين) ثم بعد الغداء بقليل نضع الفول الذي ابتل في الماء منذ الصباح في قدرة تشبه قدرة المحلات التي تبيع الفول.. إلا أنها صغيرة.. ونضعها على نار السخان الهادئة بعد تغطية القدرة بصورة محكمة .. ونضع فيها الماء الكافي ولا نعود إليها الابعد صلاة العشاء فنجد أن فول العشاء جاهز نضعه على المائدة عند التاسعة .. ثم نغسل الصحون .. وتنتهي مهمتنا غدا عند السادسة بعمل شاي الصباح للجميع.. وغسل الكبابي وينتهي بذلك يومنا.. نرتاح بعده يومين دون عمل ثم تعود لنا الكرة.. وكنا نحرص على أن نخزن احتياطيات مناسبة من المكرونة والعدس والفاصوليا ﻷيام الضيق عند انقطاع الاحتياطيات النقدية من الجميع ونصبح مفلسين تماما..كما نحرص على شراء احتياطي من القرقوش المحمص .. ونحتفظ به جافا لأيام الفلس .. حيث فتة العدس بالخبر الجاف تقيك من الجوع.. ونحتاج لهذه الاحتياطيات ايضا في أيام شتاء اسكندرية القارس .. خاصة عندما تنقطع الطرق وتتنزه مياه البحر الأبيض في الطرقات مع ارتفاع المد .. عندما تهب رياح أمشير وطوبة وبرمهات التي تعد من أقسى أيام السنة في الأسبوع الأخير من ديسمبر وحتى آخر يناير..
وكنا نقضي وقتا في المذاكرة ..وساعات من الليل مع سهرة على القناة المصرية الثانية قبل النوم.. في ما عدا الخميس والجمعة التي نقضي فيها الوقت في محطة الرمل..ومتسكعين بين شاطيء الرمل ومقهى (الكريزي هورس) الراقي .. ثم نبدأ الجولة متجولين بين شارع النبي دانيال مرورا بالسوق العامرية في تلك المنطقة.. إلى (زنقة الستات) وإذا كانت هناك وفرة مالية نذهب لمحل محمد أحمد للفول العجيب.. ثم ندخل السينما .. ونكتفي عند الشدة بفشار محطة الرمل الشهير.. وزيارة مكتبة الساعة التي كانت تأتي عندها الصحف السودانية..