ومضة
مصطفى نصر
أيام في الأزهر (16)
* خرجت من قسم التاريخ والحضارة على قسم اللغة العربية وآدابها بعد أن نلت ثقافة واسعة حول الفراعنة وتاريخ الحضارة الاسلامية.. ودرسنا شيئا من تأريخ مصر الاسلامية في الدولة الفاطمية ثم المماليك فالعثمانيين وآثارهم.. وشيئا من تعريف الآثار وشروط وصفها بأنها أثرية.. وكيف نحدد الحقب التاريخية للآثار .. كان أكبر خطأ أنني لم أحدد خياراتي في وقت مبكر.. فعندما انتقلت إلى قسم اللغة العربية كنت قد أضعت شهورا ثلاثة.. كان لها أثر واضح في النتيجة التي ختمت بها العام.. وكنت قد ذكرت فيما قبل أنني التقيت في الجامعة في تلك الأيام بالأخ فتحي بحر الدين من ربك... وهو معنا في نفس القسم والكلية .. والذي شاءت الظروف أن اجتمع معهما في شقة واحدة هو وابن خالته فضل محمد صافي النور أيضا من ربك .. درس إدارة أعمال بالجامعة الأمريكية (إدارة فنادق).. سكنا معا في 7 شارع الهلباوي شقة 1.. في منيل الروضة بالقاهرة في السنة الأولى .
* وقد استمرت حياتنا بنفس نمط الاسكندرية في الميز والواجب المنزلي في الطبخ مرتين في الأسبوع .. ونفس هذا الأسلوب كنا نراه في شقق الزملاء كلها.. إذ يبدو أن السودانيين جميعا ساروا بنفس هذا النظام.. الذي فيما يبدو توارثوه جيلا بعد جيل .. من الطلاب القدماء.. باستثناء الطلاب المقتدرين ماديا الذين كانوا يستعينون بشغالات برواتب شهرية .. للتكفل بالطعام وغسل الملابس والمكواة والنظافة.. وفي فترة لاحقة كان قد تشارك معي في غرفتي مبارك ود البطري.. الذي جاء من السودان محددا هدفا واحدا هو الدراسة في أكاديمية السينما - قسم إخراج .. ولم يكن حريفا في الطبخ ﻷن هذه كانت المرة الأولى له التي يغادر فيها منزلهم.. فكنا نستعين به فقط في المشاوير الخارجية وغسيل العدة..
* دخلنا الأزهر في أيام الشيخ جاد الحق علي جاد الحق وقد كان الرجل عالما جليلا .. ومتمكنا في أصول الفقه على المذاهب الأربعة .. لا سيما المذهب الشافعي.. عليه رحمة الله والأزهر الشريف كما هو معروف قائم على طريقة أهل السنة والجماعة مذهبا وهو أشعري وماتريدي من حيث العقيدة .. وقد كان الرجل عالما في أصول الفقه .. ويشهد له بحسن الفقه كتابه (الفقه على المذاهب الأربعة).. الذي يقع في 14 جزءا.. إذ يورد كل مسألة فقهية مدعمة بآراء كل فقيه من الفقهاء الأربعة وما يدعم وجهة نظره من الأثر ثم يختار الأرجح - من وجهة نظره- بناء على وزن الأسانيد.. ولم ينحاز في اختياراته لمذهب واحد إذ كان يرجح رؤية الشافعي مرة والمالكي مرة والحنبلي أو الحنفي مرة أخرى .. وقد درسنا النحو على المتون .. الجزء الأول من شرح ابن عقيل والجزء الثاني من أقرب المسالك لابن هشام والجزئين الثالث والرابع من شرح الأشموني.. وقد درسنا النحو على يد فضيلة الشيخ عبد المتعال الصعيدي عليه رحمة الله.. وقد كان من أنحى أهل الأزهر.. وقد درَّسنا أيضا الشيخ عمر عبد الرحمن مفتي القاعدة فيما بعد - وهذا الرجل والشيخ القرضاوي، هما الأزهريان الوحيد ان الذان تسللا إلى صف الإرهاب والتطرف هو إذ أن من المعروف عن شيوخ الأزهر الاعتدال.. فهو قد درسنا في السنة الأولى الملل والنحل.. ثم المنطق الصوري في الصف الثاني .. ثم الجدل والكلام في الصف الثالث .. وقد كان كفيفاً، إلا أنه كان له مركوبا (قطع) كبير مقاسه (49) كان يجد طريقه بدقة لمن يتحدث أثناء المحاضرة، حتى أننى كنا نشك في بعض الأحيان في أنه كفيف