قصة قصيرة جدا
ما في الجبة غير الحب
بقلم: مصطفى نصر
في تلك الساعة من نزوات الليل قرر البوح، قرر أن يقول لها كما قال رمز البوح الأكبر (الحلاج): "ما في الجبة غير الحب" فأما أن يكون بوحا محفوفا برعاية الله وحفظه فيكتب له التحليق في مرافئ العاشقين، أو أن يكون محفوفا بالمكاره فيقوده الى مأساة كمأساة الحلاج الشهيرة.
نعم لقد قرر في هذه الليلة الجميلة بالذات أن يكون أو لا يكون، أن يكون طرفا في قصة حب تجمع بين طرفين يتبادلان الغرام، وألا يكون حبا من طرف واحد دون أن يبوح بمكنوناته للطرف الآخر، نعم فقد قرر أخيرًا أن يواجه ساعة الحقيقة، فإما عشقا يسر المحبين وإما أن يذهب كل منا في طريقه المرسوم له.
فتح هاتفه وقرر ان يكتب رسالة مختصرة لا تزيد عن كلمة واحدة وبأكثر تقدير كلمتين، في لحظة فارقة من عمر الزمان استجمع قواه وكتب بأصابع مرتعشة متوترة كلمة واحدة فقط: (أحبك).. ما أن كتب تلك الكلمة حتى أحس بحشرجة في أنفاسه، وزيادة في خفقات القلب، وجفافا في الحلق، وبردا يسري في ظهره كلما وجد نفسه في حالة مماثلة من الاضطراب، لكن الخبر الجيد انه اخيرا فعلها، لقد ضغط بكل ما تبقى له من جلد وقوة على مفتاح الإرسال.
ما أن ضغط على المفتاح حتى قرر أن يخفي الهاتف تحت وسادته، لعله يخفي هول صدمة الرد المتوقع ولو إلى حين، مرت اللحظات بطيئة مثقلة حتى سمع رنينا للهاتف تحت الوسادة، توقع لسرعة الوقت ما بين إرسال الرسالة وورود الرد أنها قد ردت بكلمة صغيرة مغتصبة أيضا تمنى من صميم قلبه الا تزيد من عبارة (وأنا كذلك).
لكن نفسه الموسوسة قالت له إن الموضوع ليس بهذه السهولة، فربما تكون قد أساءت فهمك فهي الآن غاضبة بشدة منك، وظلت هواجسه بين أخذ ورد، ممنيا نفسه بان يجد الشجاعة اللازمة لقراءة الرسالة وسبر أغوارها انهكه ارهاق ذهني ألجأه إلى أن يغط في نوم عميق.
في الصباح أفاق على لهفة كبيرة لقراءة الرسالة، قرر أن يقف أمام الأمر الواقع فلمًا قرأ الرسالة وجد أن محتواها مختلفا عن كل ما تصوره أو دار بخلده طوال الليلة السابقة، صافحت نظره عبارة خالية من اي نبض تقول: (عفوًا، لم يتم إرسال الرسالة لعدم توفر الرصيد الكافي)