نانسي عجاج.. أيقونة الثورة
بقلم: مصطفى نصر
عندما يكون الفن التزامًا ومسؤولية يصبح الفنان الأصيل فقط، ترسا في الحركة الجماهيرية، يتفاعل مع مد وجزر جمهوره، يشاركهم أفراحهم وأتراحهم، لا يهمه ابدا أن ترضى عنه السلطة الحاكمة أو تغضب، كل ما يصبو إليه هو أن يجده جمهوره معهم كتفا بكتف وأملأ بأمل وحلما بحلم.. من طينة هؤلاء الفنانين الذين عدوا أيقونات لهذه الثورة المباركة، كانت نانسي عجاج كنداكة الوعي الثوري المبكر، تصدع بكلمة الحق، وتصدح بجميل الأنغام التي تهدي الناس في ظل حركتهم نحو تغيير جذري لواقعهم القبيح تحت شعارات الحرية والسلام والعدالة.
ولدت نانسي عجاج في منتصف السبعينيات في أسرة أم درمانية عريقة، وكان مهدها الأول هو أسرة موسيقية حتى النخاع، حيث أنها انفتح سمعها بعد صرخة الميلاد، ووالدها بدر الدين عجاج من أوائل السودانيين الذين يعزفون على آلة الاورغ قبل ان يتعلمها كثير من السودانيين، وقبل أن تصبح بهذا الانتشار الواسع، كانت هذه الآلة الموسيقية تجري على يديه رقراقة هادئة، قبل أن تتحول إلى مصدر إزعاج وصخب كله نشاذ على ايدِ القونات ربات الفن الهابط.
كانت أول كلمة قالها لها والدها الموسيقار بدر الدين عجاج لابنته نانسي عندما همت بالولوج لعالم الفن يانانسي لا يغرنك أن والدك موسيقار عرفه الجمهور السوداني قبلك، اعتمدي على موهبتك الشخصية قبل كل شيء، فهذا الشعب ذواق لن يقيم لك وزنًا إذا لم تقنعيه بانك تستحقين الانتشار بلونيتك الخاصة التي تحمل بصمتك، لن يهتم حتى إذا كان ابوك من يكون في عالم الفن، ولن يغني عنك آنك ابنتي، ابذلي الجهد والعرق لتكوني فنانة ذات التزام بالفن وبرسالة الفنان.
كانت هذه الكلمات هي النوتة الموسيقية الأولى التي حفظتها عن ظهر قلب، قبل الولوج لعالم الفن، ووضعت لنفسها خطة فنية واضحة المعالم، وهي ان تبدأ لفترة يجب ألا تطول بأغنيات الحقيبة آلتي ألفها الشعب السوداني برفقة آلة العود فقط، حتى لا تطغى الموسيقى على صوتها الجميل الذي لفت الأنظار من اول وهلة لميزته العجيبة في حدة الصوت، بصورة ليس لها من نموذج سابق مشابه، اندهش الناس فعلا لهذا الصوت الفريد الذي يشبه وترا مفقودا في الآلة الموسيقية، وكان الذكاء الكبير لها في الانسحاب المبكر من أداء أغنيات الغير إلى أغنياتها الخاصة.
لم يكن الانسحاب لإنتاجها الخاص كليا، حيث كان الذكاء الفني في إيراد أغنياتها الخاصة في وسط الأغنيات المسموعة، فكان كل البوم يظهر للجمهور يحمل اسم عمل خاص بها، ومن بين أغنياته أغنيات مسموعة حتى توطد قدم اغنياتها بالتدريج، وكان ألبوم (رفقة) تجربة مثالية، حيث وضعت في وسطه أشهر أغانيها الخاصة (رفقة) التي كانت من كلمات شاعر الشعب المحبوب محجوب شريف والتي تجسد عوالم أبناء الشوارع الذين هم جزء من نسيج هذا الوطن، إلا أن حظهم العاثر جعلهم يمضون وحدهم في مشوار الحياة بعد أن تخلى عنهم الوالدان، فكانت هذه الأغنية تناقش قضية هامة من قضايا المجتمع جعلتنا أكثر تفهما لهذه الفئة.
كما أنها التقطت بذكاء عجيب من أريج الشمال أغنية (بلدا هيلي انا) ثم من كلمات شمس الدين الخليفة (مرحبتين بلدنا حبابا) ومن تراث غرب السودان أغنية شعبية متداولة هي (أندريا) وهكذا تلتقط من كل بستان زهرة وعينها الفنية التي تشبعت بتمييز المميز من تراثنا، ونتوقع لها ظهور أغنيات تراثية أخرى جديدة قريبا
الرئيسية
