مقال نقدي
قراءة نقدية في عناصر فن القصة (9)
بناء الشخصية القصصية
بقلم: مصطفى نصر
بناء الشخصية القصصية في العمل القصصي كما ذكرنا في المقال السابق عملية شاقة تتطلب مهارة فائقة وتمرساً في تكنيك وأسرار بناء الشخصية القصصية على أسس قوية، ابتداءً من البعد الخارجي التكويني الجسماني، مرورا بالبعدين الفكري ثم النفسي، وصولا للبعد الاجتماعي.
وبناء الشخصية كما ألمحنا في المرة السابقة في القصة القصيرة (الأقصوصة) يحتاج إلى مهارة أكبر مما يبذله الروائي، لأن الروائي لا يعاني من مضايقات ضرورة التركيز، والمدى الزمني والوصفي مفتوح أمامه لكشف معالم شخصياته الخارجية والنفسية والعقائدية دون ضغوط، إلا إذا كان الإسهاب سببا في شعور القارئ بالملل من كثرة التفاصيل.
تَنفرد الشّخصيّة في القصّة القصيرة بملامحَ وسماتٍ تميّزها عن سائر الفنون الأدبيّة بحيث تُولد الشّخصيّة من حصيلة النّصوص، وتَعيش دورَها تُؤثّر وتَتأثّر داخل هذه النّصوص، فلا وجود لثوابت فنيّة أو نظريّة تَتحكّم فيها، وظهور الشّخصيّة في القصّة يَكون بصورةٍ فجائيّة أو وفق تسلسلٍ وتتابعٍ لتصرّفها وسلوكها، بالإضافة إلى أنَّها تَظلّ حاضرةً في ذهن كاتبها لا تُفارقه إلّا بعد انتهائه من رسم ملامحها الأولى.
وقد تَجمع الشّخصيّة في القصة القصيرة ما بين الواقع والخيال، والوهم والحقيقة، التّوهّم والإيهام لتُشكّل مزيجًا من الأسئلة المتعلّقة بالواقع وأسئلة الكاتب.
وتَنفرد الشّخصيّة في القصة القصيرة بخاصيّة الانغلاق والانفتاح معًا، وذلك وفق ما يَتطلّبه النّص وحسب المساحة النّصيّة، الشّخصيّة في القصّة القصيرة واحدة ووحيدة، مفردة، متمرّدة، عاقة وفي حال وجود شخصيّة أخرى فإنّها تتّبع السّلوك ذاته. تَتأثّر الشّخصيّة بالحدث فقد يَكون سببًا لمأساتها وهلاكها وقد يكون سببًا لسعادتها.
والشّخصيّة في القصة القصيرة هي انعكاسٌ لما في نفس الكاتب، فقد تَحمل القليل أو الكثير من أفكاره وأحلامه، من سعادته وانتكاساته فلا تُقدّم الشّخصيّة بصورةٍ مكتملةٍ أو نهائيّة، إنّما تَتطوّر بتطوّر الأحداث، فهي مجرّد زاوية من الشّخصيّة الّتي ما زالت في طور البناء.
وتَتّخذ الشّخصيّة في القصة القصيرة لغتها الخاصّة بها، فهي لغةٌ هامسةٌ حميميّة متداولة بين النّاس، ليس فيها من تعقيد لفظي ولا معنوي.
أما الشخصية في الأعمال القصصية الطويلة والروايات فهي التي تشكّل ملامح الرواية وتتشكّل من خلال تفاعلها داخل الرواية الأحداث والمشكلات، ولذا كان الروائيون ينتقون شخصياتهم بدقة؛ حيث تكون الشخصية المناسبة في مكانها المناسب، حيث تمثل الشخصية الروائية عنصرًا أساسيًا من عناصر الرواية، فهي تصوّر الواقع من خلال حركتها مع غيرها، وتأتي أهميتها من أنَّ جوهر العمل الروائي يتجسد من خلال خلق الشخصيات المتخيلة، كما أنَّ الشخصية في الرواية لا يمكن فصلها عن العالم الخيالي، وهي من عناصر السرد المهمة لأنّها تُعبّر عن الأحداث السردية من خلال تطبيقها.
لذا فإن الشخصيات الروائية تتميز غالبا بالسمات التالية:
فهي تنقسم إلى شخصيات رئيسة وأخرى ثانوية؛ فالشخصيات الرئيسية هي الشخصية التي يختارها الكاتب أو القاص لتقوم بتمثيل الدور الذي أراد تصويره، أو تقوم بالتعبير عن الأفكار والأحاسيس التي قصدها، فهي الشخصية التي تتمحور عليها الأحداث، وتمثّل الفكرة الأساسية التي تسبح حولها الحوادث وهي عبارة عن موقفٍ بطولي فردي.
فالشخصية الرئيسة في أيّ عمل أدبي أو سرد قصصيّ تُجسّد المحور الأساسي والنقطة المركزية، وأمّا الشخصيات الباقية فتكون عوامل مساعدة لها، فالشخصيات الثانوية هي التي تقوم بدور العامل المساعد لربط الأحداث فتعمل على إكمال الرواية، كما تقوم بتسليط الضوء على الجوانب الخفية للشخصية الرئيسة، وهي إمَّا أن تكشف عن الشخصية الرئيسة وتعمل على تعديل سلوكها، أو تتبعها وتدور في نطاقها، فتلقي الضوء عليها وتكشف أبعادها المجهولة أو غير الواضحة.
فالشخصيات الثانوية إذن لها دورها في الأحداث ومسارها، ولها مكانتها ودورها في الرواية، الفرق بين الشخصيات الرئيسة والشخصيات الثانوية أنَّ الشخصيات الرئيسة تأتي في المرتبة الأولى، وأهميتها تفوق أهمية الشخصيات الثانوية؛ لأنها تمثل المركز الأساسي في العمل الروائي، كما لا يمكن التخلي عن الشخصيات الثانوية أيضًا، فهي تأتي في المرتبة الثانية.
وتنقسم الشخصيات في العمل الروائي أيضا إلى شخصيات نامية وشخصيات ثابتة؛ فالشخصيات النامية هي الشخصيات التي يستطيع القارئ كشفها بشكلٍ تدريجيٍ من خلال أحداث الرواية، تتطوَّر هذه الشخصيات وتنمو بتطور وتغيُّر أحداث الرواية، ويكون هذا التطور نتيجةً لتفاعل الشخصيات مع ما يجري من أحداثٍ.
أما الشخصيات الثابتة؛ فهي الشخصيات التي تحافظ على الحال الذي هي عليه من بداية الرواية وحتى نهايتها، فلا تتغير هذه الشخصيات، وتتميز بأنها ذات نمط واحد طيلة أحداث الرواية، وتحافظ على ثباتها.
الفرق بين الشخصيات النامية والشخصيات الثابتة أنَّ الشخصيات النامية هي شخصيات متطورة تتأثر بالأحداث وتتفاعل معها وتتغير تبعًا لذلك، بينما الشخصيات الثابتة مكتملة غير متغيرة، ولا تتفاعل مع أي تغير يطرأ في الرواية، وغير قابلة للتأثر بالأحداث.
كما توجد أيضاً: الشخصيات المدورة والمسطحة؛ فالشخصيات المدورة هي الشخصيات المركبة المعقدة وهي غير مستقرة، لا تثبت على حالٍ، ولا يتمكن المتلقي من معرفة المصير الذي ستؤول إليه مسبقًا لكونها متغيرة الأحوال ومتبدلة الأطوار. كشخصية الخواجة عبد القادر في مسلسل الأستاذ يحيى الفخراني بنفس الاسم، ولا يمكن تحديد نوع الشخصية من خلال عنصر المفاجأة فحسب، إنما من خلال غناء الحركة التي تتميز بها في العمل السردي، ومن خلال قدرتها العالية على تقبل العلاقات مع باقي الشخصيات والتأثير فيها.
أمًا الشخصيات المسطحة الشخصيات المسطحة في الرواية فهي الشخصيات البسيطة التي تستقر على حالٍ واحدةٍ، لا تكاد تتغير ولا تتبدل في مشاعرها ومواقفها وأحوال وأطوار حياتها العامة، ويمكن تسميتها بالشخصيات الثابتة أو السلبية.
يتبع..
تمت المراجعة والتنسيق من قبل فريق مجموعة ريمونارف الأدبية.