سأل موقعنا هذا الأخ المستشار الدولي بالبنك الدولي هشام كاهن الذي شارك مع وزارة المالية والبنك الدولي لاكمال هذه الصفقة، عن معنى مصطلح قرض تجسيري قانونيا، وهل يلزم أن نسدد مليار ومائة وخمسين مليون للبنك الدولي ليعطينا منحة؟
فشرح لنا أن الذي حدث هو أن أمريكا أقرضتنا المبلغ كقرض تجسيري ليوم واحد فقط، ودفعناه للبنك الدولي، فقام البنك الدولي فورا بتسليمنا مليار 400 مليون دولار كمنحة، أعدنا منها لأمريكا فورًا قرض التجسير، البالغ مليار و 150 مليون، وبقى معنا 250 مليون دولار منحة من غير ربا، وبذا أصبحنا مؤهلين للتمويل بمبلغ 2 مليار دولار في سنتين كمنحة، مما يعني أننا لم نستدن من أجل تسديد الاستدانة؛ وبالتالي المحصلة النهائية للسودان هي تصفية المتاخرات من غير أي مديونية جديدة سواء للأمريكيين أو البنك الدولي.
وفيما يلي رده المكتوب بالدارجة السودانية بصفحته على الفيسبوك دون تدخل منا حتى يفهم الجميع المسألة التي تمت باللهجة السودانية البسيطة:
...
هشام كاهن
إعفاء متاخرات البنك الدولي والقرض التجسيري
عدد من الأصدقاء والمعارف اتصلوا مستفسرين عن القرض التجسيري وتفاصيل عملية اعفاء ديون السودان لدي البنك الدولي فحبيت اكتب البوست دا للإجابة علي بعض هذه الأسئلة بحكم مساهمتي مع الزملاء في وزارتي المالية والعدل في الجوانب القانونية لهذه العملية. معليش حيكون بوست طويل شوية لكن سأحاول اكتب واشرح ببساطة حتي اوصل اكبر قدر من المعلومات.
١. ابدا باجابة السؤال الأكثر ورودا : هل نحن سدننا القرض التجسيري للامريكان بقرض تاني من البنك الدولي ونكون بس بدلنا دين بدين "وكانك يا زيد ما غزيت" ؟ الإجابة لا لا ثم لا. قرض الامريكان التجسيري (بليون ومية وخمسين مليون دولار) تم سداده في نفس اليوم بمنحة من البنك الدولي نفسه ، اكرر "منحة" "منحوووووو" يعني تمويل غير مسترد. وبالتالي المحصلة النهائية للسودان هي تصفية المتاخرات من غير أي مديونية جديدة سوي للامريكان او البنك الدولي.
٢. بعد الإجابة الفوق دي ممكن نشرح شوية تفاصيل عملية القرض التجسيري . البنك الدولي في نهاية العام الماضي ابدي رغبته في مساعدة السودان في سداد متاخراته لدي البنك حتي يعود السودان للاستفادة من البنك مرة اخري. طيب البنك قرر انه يدي السودان منحة كافية لسداد هذه المتاخرات لكن عشان الاجراء دا يكون قانوني لابد من سداد المتاخرات أولا ليتم توفيق أوضاع السودان قانونيا ثم يقوم البنك بدفع منحته بعد ذلك مباشرة (مباشرة دي في نفس اليوم). ولأنه السودان ما عنده بليون ومية وخمسين مليون دولار قاعدة ساكت من غير شغلة هنا بتجي الحوجة لدخول طرف ثالث ليساعد في هذه العملية الإجرائية . هنا دخلت أمريكا وقررت انها تساعد في هذه العملية بتقديم قرض ليوم واحد بيسمي القرض التجسيري (Bridge Financing (.
٣. الشغلانية دي عشان تجهز فيها شغل قانوني واجرائي كتير جدا بين الأطراف الثلاثة وداخل الأطراف الثلاثة حتي يستوفي كل طرف اجراءته القانونية الداخلية .. الكلام دا اخد ليه زي ٣ شهور كدا. وتم تحديد يوم ٢٥ مارس لتنفيذ العملية ليه ٢٥ مارس بالذات ؟ لانه البنك صدق المنحة للسودان في اجتماع مجلس ادارته والذي عقد في يوم ٢٣ مارس (بشرط ان يتم صرف دفع المنحة مباشرة بعد تسديد المتاخرات). المنحة المصدقة من مجلس الإدارة للسودان هي بليون و٣٧٠ مليون دولار يعني اكتر من المبلغ المطلوب، هنا مهم انه نوضح انه المنحة دي ما عندها علاقة بمنحة ال ٢ بليون دولار الحنتكلم عنها بعد شوية. في يوم ٢٤ مارس تم توقيع اتفاقية المنحة بين البنك والسودان وكدا بقت العملية جاهزة من الناحية القانونية للتنفيذ.
٤. في يوم ٢٥ مارس قامت وزارة الخزانة الامريكية بدفع مبلغ بليون ومية وخمسين مليون دولار للبنك الدولي لسداد متاخرات السودان، بوصول المبلغ لحساب البنك يكون السودان قد وفق أوضاعه وفي نفس اليوم (بعد ساعات فقط) قام البنك الدولي استنادا علي تعليمات صرف من حكومة السودان بتحويل نفس هذا المبلغ من حساب المنحة المصدقة لحكومة السودان الي حساب الخزانة الامريكية وكدا دين أمريكا اتسدد من المنحة وفضل لينا مبلغ ٢٢٥ مليون دولار دي بتتحول لخزينة حكومة السودان كدعم مباشر. بانتهاء هذه العملية السودان بكون وفق أوضاعه ومن حقه الاستفادة مجددا من خدمات البنك الدولي وفي نفس الوقت أمريكا شالت قروشها وما عندنا أي دين جديد للبنك. كدا اتمني انه نكون شرحنا قصة القرض التجسيري دي بوضوح.
****
٥. بعد توفيق أوضاع السودان مع البنك اعلن البنك انه في الفترة القادمة او السنتين القادمتين سيقدم منح (وشرحنا منح دي فوق يعني شنو) بقيمة ٢ بليون دولار يبدا تخصيصها لمشاريع وبرامج تنموية محددة علي حسب أولويات الحكومة للتنمية. يعني دي حتمشي لمشاريع محددة بتقترحها الحكومة بالتشاور مع البنك ، وحيصل فريق من البنك في اول أسبوع من ابريل للبدء في النقاش حول تحديد هذه الأولويات. وزي ما قال رئيس الوزراء ووزير المالية في احتفال امبارح الأولوية مفروض تكون لمشاريع الصحة والتعليم والبنيات التحتية من كهرباء وري ومياه شرب وزراعة الخ ... طبعا في ناس ممكن يقولوا الطرق والكباري والمطارات والميناء ووو المهم انه الأولويات تتحدد بصورة علمية ومؤسسية وباستراتيجية واضحة ولازم نبدأ بالاهم ثم المهم ... ولمن نحل موضوع ديونا ومتاخراتنا مع المنظمات التانية حتكون في مصادر اكبر للتمويل.
٦. انا شخصيا بشوف انه اهم شي الان انه نجهز لتنفيذ وانجاح هذه المشاريع .. التمويل شي وتنفيذ وانجاح المشاريع امر مختلف تماما ،، وتوفير التمويل لايعني بالضرورة نجاح المشاريع. اهم شي الناس تعرف انه التنفيذ هو مهمة الحكومة وليست مهمة البنك الدولي ولا أي من المنظمات المانحة (ديل مهمتهم يراقبوا انه القروش ماشة في ما اتفق عليه وانه مافي فساد وتلاعب بهذه الأموال) وقضية نجاح المشاريع من فشلها يعتمد في الأساس علي الجهة الحكومية المنوط بها تنفيذ المشروع وعلي فريق عمل المشروع ومدي قدرتهم في إدارة وتنفيذ المشاريع . وكلنا عارفين قدرات الخدمة المدنية في السودان المتواضعة لذاك امر جاهزية الدولة للتنفيذ هو اكبر خطر سيواجه هذه المشاريع وقدرتنا علي الاستفادة من التمويل.
٧. لذلك اقترح انه نبدأ من الان وبعد اختيار المشاريع والوزارات والمؤسسات التي ستقوم بتنفيذ هذه المشاريع لابد من إيلاء اهتمام كبير جدا علي امر تشكيل فرق المشاريع ومدراء المشاريع وبقية المهام داخل هذه الفرق من تخصصات فنية و خبراء مشتريات وإدارة مالية ومتخصصين في البيئة والاثار الاجتماعية الخ ولا بد من البدء الان في عمليات تدريب مكثفة لهذه الفرق حتي تكون جاهزة للتنفيذ وقيادة هذه المشاريع. هنالك من يري ان نستعين ببيوت خبرة للتولي امر تنفيذ هذه المشاريع.. انا شخصيا ومن تجربتي في مشاريع التنمية هذه الفكرة غير صائبة .. نعم يمكن ان نطعم الفرق الحكومية بخبراء من خارج الوزارة بالذات في التخصصات الغير موجودة داخل الوزارة لكن لكي نعيد بناء مؤسساتنا الحكومية ورفع كفاءتهم لا مفر من اننا نستثمر في انهم يتحملوا المسؤولية ويقوموا ويقعوا لحدي ما نقيف علي حيلنا. نعم في البداية حتكون في تحديات ومشاكل في التنفيذ ودا شي طبيعي لكن بالممارسة فقط يأتي التجويد. ،ماننسي انه الناس ديل ما بنفذوا المشاريع الممولة من الخارج بس بل هم نفس الناس المفروض ينفذوا المشاريع الممولة من مصادرنا الذاتية والممولة من الموازنة، يبقي رفع كفاءتهم وقدراتهم مهمة لينا نحن ديل وقروشنا قبل قروش االمانحين.
***
٨. في سؤال أخير مافي زول سأله لكن داير اجاوبه .. البنك الدولي دا قبل كدا عمل شنو في السودان ؟ السؤال دا ممكن يكون مربوط بانه الديون والمتاخرات دي أصلا عملنا بيها شنو ؟
٩. البنك بدأ في تمويل مشاريع في السودان بعد الاستقلال مباشرة .. اول حكومة وطنية بعد الاستقلال كان اكبر مشروع تنموي وطني شاغل بال الحكومة هو بناء خزان الرصيرص ومشروع امتداد المناقل وذلك لمضاعفة المساحة المزروعة في مشروع الجزيرة ... المشروعين ديل مولهم البنك الدولي وما اتخيل لي في زول ممكن يكابر انه المشاريع دي ما حققت أهدافها بصورة كبيرة وما زلنا نجني ثمارها الي يومنا هذا. بعد داك البنك الدولي مول عشرات المشاريع في قطاعات تنموية مختلفة منها الكهرباء والطرق والسكة حديد وتوسعة ميناء بورتسودان وكمية من المشاريع الزراعية وفي التعليم وللأسف دي نفسها المشاريع والتي لم يقم السودان بسداد مبالغ تمويلها بالرغم من استفادته من هذه المشاريع وها هي تعفي.
١٠. كما ذكرت بعض هذه المشاريع ما زال يعطي للاقتصاد و بعضها للأسف اعطي لفترة ولكن بالاهمال وسوء الإدارة فشل وبعضها ممكن يكون فشل عديل من الاول بسبب سوء الإدارة والفساد.
١١. الكلام دا بيقودنا لأهمية حاجتين انه لازم نضبط عملية الدين الخارجي واستخدامه ودفع مستحقاته حتي لا تتحمل الأجيال القادمة وذر قرارتنا باعباء هذه الديون كما يحدث الان لجيلنا الذي يتحمل أخطاء سوء إدارة الموارد والفوضي من حكومات واجيال سابقة وهنا نقصد الإنقاذ وما قبل الإنقاذ. ثانيا أهمية إدارة المشاريع للتاكد من نجاحها واستدامة هذا النجاح لانه أسوأ حاجة ان تنتهي الأجيال القادمة بتحمل ديون علي مشاريع أصلا لم نستفد منها.
مرة اخري معذرة للاطالة ..
(الصور لقرض وبناء مشروع خزان الرصيرص من صفحة صور السودان القديمة سائلين الله التوفيق للسودان في بناء عشرات المشاريع القومية الجديدة لبناء هذا الوطن )