قراءة نقدية في أسرار صناعة مقال رفيع (9)
التخطيط بعين القارئ
بقلم: مصطفى نصر
ان مرحلة التخطيط لكتابة المقال، والبحث عن عناصره في المقدمة والعرض والخاتمة، تقتضي أن تكون شخصية القارئ للمقال هي المحور الذي يدور حوله تفكيرك وتضعه نصب عينيك، فكل عمل إبداعي شعراً إو نثراً يقوم على ثلاثة أضلاع: هي النص ومرسله ومستقبله، ومن هنا تأتي أهمية وضع القاريء نصب عينيك وأنت تخطط لإبداعك.
وعليه فان معرفة احتياجات القارئ من المقال، ستحدد المحتوى والشكل الذي سيكون عليه في صورته النهائية “١”بحيث يتوافق النص مع توقعات القارئ، ويعود مصطلح التّلقي أساسًا إلى نظرية التّلقي في النّقد الأدبي، "٢"وهو أحد المفاهيم الرئيسة التي تُبنى عليها هذه النّظرية، ويعني ” إعطاء الدّور الجوهري في العملية النّقدية للقارئ، باعتبار أنّ العمل الأدبي مُنشئ حوار مستمر مع القارئ، بحيث يستقبل القارئ النّص الأدبي بعين
الفاحص الذّواقة، بغية فهمه وإفهامه، وتحليله وتعليله، في ضوء ثقافته الموروثة والحديثة، وآرائه المكتسبة والخاصّة، بمعزل عن صاحب النّص. ومما يدرك من ذلك؛ أنّ فعل التّلقي مصدره الأساس الحوارية القائمة بين النّص والمتلقي، فبفضلها تتحقق استعدادات المتلقي لاستقبال الأثر الأدبي طلبًا لتمحيص العمل واقتناص بعده الجمالي، ومنه فالتّلقي منوط بحضور المتلقي ودوره الفعّال في تشريح النّص، ولا يمكن أن نجد تلقيًّا واحدًا وأحاديًّا للعمل الواحد، بل يختلف ويتعدّد باختلاف وتعدّد القرّاء لحظة القراءة.
فلوكان القارئ هو القاضي فان شكل المستند القانوني ودرجة الرسمية المطلوبة فيه تقتضي أن يتوافق المستند مع توقعات القاضي وطريقة مخاطبة المحكمة، ومن المفضل أن تذهب لمرحلة متقدمة بحيث تتعرف على أسلوب هذا القاضي تحديدا في الكتابة، من خلال الاطلاع على أحكام سابقة أصدرها أو أي كتابات قام بها بغرض التعرف على أسلوبه، ولكن في العديد من الحالات قد لا يكون ذلك متاحا وفي هذه الحالة يمكن الاستعانة بالنظر الى كتابات قضاة آخرين في نفس الدرجة أو التخصص.
في حالة كتابة المقال المسألة أصعب من الكتابة القانونية فان من المفيد التعرف على توقعات كل القراء بمختلف قدراتهم العقل الذين سيتلقون الموضوع الذي تكتب حوله، لكي تحدد مستوى التفاصيل التي تحتاج إليها، حيث إن معرفة القاريء بخلفيات الموضوع الذي تكتب عنه ان كان في منشور تخصصي يغنيك عن شرح الأبجديات والتعريف بالأمور الأولية ويمكنك التوجه الى صلب الموضوع مباشرة، أما إن كان الجمهور هم قراء الصحف عموماً بمختلف مؤهلاتهم العلمية لا يملك الكاتب إلا أن تشرح الأمور الأولية قبل مناقشة الموضوع في شكل مقدمة موجزة.
فبالنسبة لمتلقي المقال الصحفي يشرح لنا د.وفاء جمال درويش"٣" أن الصحفي ينطلق مــن كــون الأســلوب الصحفــى هــو القالــب الفنــى واللغــوى الــذى يضــع فيــه المعلومـات والآ ارء والوقائـع التـى يريـد نقلهـا إلـى القـارئ، مـع الوضـع فـى الإعتبـار تفـاوت حـدود التأثيـر الأسـلوبى مـن محتـوى صحفـى إلـى آخـر، وموضحة أن هـذه الحـدود هي موجودة نوعـاً مـا داخـل المحتـوى الصحفـى كـى يتناسـب فـى صياغتـه، مـع شـخصية الصحيفـة، وقواعدها بعـد ذلـك لمواد الـرأي،
إذ أن المحـرر مطالـب فـى هـذه الحالـة بعـدم تحطيـم الأسـلوب الـذى يتميـز بـه الكاتـب، وانطاقــاً مــن الأهميــة المتعاظمــة التــى يوليهــا التحليــل الأســلوبى لــدور القــارئ فــى التعامــل مـع المنبهـات والمثيرات اللغويـة والفنيـة الكامنـة فـى المحتـوى، والأحـكام التـى يصدرهـا القـارئ تجـاه النـص وفقـاً لتأثيـر هـذه المنبهـات، واتفاقـاً مـع النظريـات الأدبيـة الحديثـة التـى تُعلـى مـن شــأن القارئ في محـددات تشـكيل بنيـة الكتابـة للمقـالات الصحفيـة فنيـاً ولغويـاً داخـل المواقـع الإلكترونيـة العربيـة.
وتشكل مهارة التحريــر الصحفــى أو عمليــة الكتابــة الفنيــة للصحيفــة المرتكــز الرئيســى والعنصــر الأساســى فــي المزيــج الإبداعــى الصحفــى الــذى يضــم إلــى جانبــه التصويــر الصحفــى والرســوم والإعـان ثـم الإخـارج، وبدونـه لا تتوافـر أداة لعـرض المحتـوى الصحفـى بشـكل جـذاب وبسـيط وســهل ومقــروء.
كما يوفر كاتب المقال بقدراته الشخصية في التأثير على القاريء مصدر اقناع للقارئ للمقال
نواصل ..
—————-
“١” أيمن عبد الرحمن خير- خمس مهارات لكتابة قانونية رفيعة- ص (٣٩) الطبعة الاولى ٢٠٢٢ ويلوز هاوس القاهرة.
“٢” د. أسماء خمخام - فاعلية النص بين الانتاج والتلقي - مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية ص ١١٥ العدد ٤٩ صادرة عن جامعة الحاج الخضر الجزائرية مارس ٢٠٢١مم
“٣” د.وفاء جمال درويش - بنية الكتابة للمقال الصحفي - ص ١٠٠ المجلة العربية لبحوث الإعلام والاتصال العدد رقم ٣٤ يوليو سبتمبر ٢٠٢١ القاهرة
الرئيسية
