قراءة نقدية في أسرار كتابة المسرحية (٢)
القصة - السيناريو - الحوار
بقلم: مصطفى نصر
تحدثنا في عجالة في المقال السابق عن الفرق بين الروائي والكاتب المسرحي، وقلنا ان الرواية هي الكتابة في زمان ومكان متسع، وتقوم على أسلوب السرد كعنصر أساسي، ويأتي الوصف تارة والحوار تارة أخرى في أجزاء متفرقة من النص للكسر من رتابة السرد المتصل، أما المسرحية فوسيلة عرضها الأساسية هي الحوار، ومن خلال الحوار تتضح أبعاد الموضوع، وتتطور الحبكة من خلال الحوار بين الشخصيات المسرحية إلى أن تصل للذروة والحبكة ثم يبدأ الحل باقتراح الحلول الممكنة والمتاحة.
نتحدث هنا عن فنون تحويل النص إلى سيناريو وحوار بأدوار محددة تسند إلى بطل المسرحية ومساعده وعدة شخصيات رئيسية وفرعية يتطور من خلالهم العمل المسرحي بالحوار، وكاتب السيناريو باختصار يقوم بالادوار التالية (١)
السينارست هو الفنان والأديب المتخصص الذي يختص في توصيل الأفكار أو القصص أو الروايات عبر مجموعة من الاستخدامات الصورية والصوتية التي يتخيلها في ذهنه ويدونها على الورق أو عبر مهاراته في وصف الأحداث وتسلسلها المنطقي المؤثر، وهو الذي برع في كتابة القصة السينمائية او المسرحية وتطور نموها الدرامي، وإعداد المعالجة الفنية ، وذلك بوضع السياق المتتابع الذي يروي أحداث القصة أو الموضوع، في صورة مرئية بارعة التأثير ، قوية التعبير ، أي الأسلوب الفني الذي يسهل نقله إلى المسرح باجوائه الخاصة محدودة المساحة. (٢)
. وليس من الضروري أن يكون السينارست هو نفس كاتب النص، بل هو شخصية قائمة بذاتها لها قدرة على تحويل القصة أو الموضوع الأصلي الذي يمكن اقتباسه من رواية أو أي مصدر أخر ، وعبر إمكانياته الفنية يقوم ببلورة الحوار المتزامن مع السرد الذي يختص في وصف الحركة والشخصية والمكان والزمان والديكور والإكسسوار والأزياء وما الى ذلك من عناصر تظهر في الصورة المنتمية للعمل الذي سيكتمل بعد التنفيذ، ويصبح عملاً صالحاً للعرض ويحقق غرض ما ، ولكن المهم بعد هذا أن يصوغه في شكل مناظر ومواقف متتابعة صالحة للتصوير السينمائي أو العرض المسرحي، هذا الفنان هو كاتب السيناريو ، الذي يعرف باسم السيناريست. (٣).
وهناك جملة من الأمور الواجب توفرها حين نطلق كلمة سينارست على شخص ما، ولعل أولى تلك الأمور هي ان كلمة سينارست تتسق بالشخص الواعي والمدرك والناضج ذو الشهرة والشأن الرفيع . أي ان كلمة سيناريو لا يمكن ان تلصق بأي شخص، بل هي كلمة تليق بأناس متخصصين ذو مكانة رفيعة في المجتمع ، حيث ان هذه الصفة لا تتواءم مع كل الاختصاصات رغم إننا أسلفنا ان السيناريو يدخل في اغلب المجالات.(٤)
وكاتب السيناريو يفترض فيه ان يكون أكثر من كاتب، إذ أن السيناريست فنان في التركيب وفي التفاصيل، وهو المسئول عن تحضير النص للكاميرا أو المسرح مع مراعاة التكلفة الكلية لإنتاج الفيلم أو المسرحية، مع امكانية تحاشي المشاهد التي قد لا تتاح للكاميرا إو خشبة المسرح، فتظل الفكرة الاقتصادية موجودة في وعيه عندما يكتب السيناريو . (٥)
ومن الشروط الواجب توافرها في كاتب السيناريو التقبل فقد يجد كاتب السيناريو انتقادات كبيرة من المشاهدين عليه تقبلها بصدر رحب والاستفادة منها في تطوير عمله (٦) وعليه أيضًا بالصبر فهو لن يجني الشهرة والمال الوفير من مجرد عمل أو عملين، لكن تراكم أعماله قد يؤدي به ذات يوم الى ان يجني الثمار، كما أن عليه الصبر ايضا عند انقطاع الإلهام اثناء كتابة السيناريو وأن يعود اليه مرة ومرة حتى يتواصل سيل الالهام، والصبر مطلوب أيضا إذا فوجئ بالفشل من عمل أو عملين وأن لا يياس ابدا.
وعلى السينارست أن يشحذ دائماً ملكة التخيل والابداع، (٧) وعليه أن يتحرر فورا من الطرق التقليدية والمطروقة من قبل والمملة، فالسينارست يجب ان يكون دائما استثنائيا في الأفكار وطريقة الطرح، وكل ذلك قد يكون ممكنا بالثقافة العالية فالسيناسرت المثقف يستطيع أن يلتقط جوانب ذات تفرد خاص، فهو لا يكتفي بالثقافة التلفزيونية والسينمائية فقط، بل يجب ان يكون مسلحا بثقافة أكبر في كافة المجالات (٨) واولها كافة الفنون كالمسرح والرسم والشعر والأدب والقانون والعلوم، بل وأن يطلع على الملامح الدقيقة لسمات أبناء البلد والطبقة الارستقراطية وكافة طبقات المجتمع (٩) ليكون قادرا على التعبير عن كل فئة.
واخيرا (١٠) إجادة طريقة حوار كل هذه الطبقات والقاموس اللغوي المستخدم من كل فئة حتى يجري الحوارات بطريقة بارعة وواقعية تميز بين النبر الصوتي للأبطال من صعيد مصر آو من وجه قبلي أو الساحل الاسكندراني او منطقة القناة وبورسعيد.
——————
المصادر:
١- محمد السيد عيد - كتابة السيناريو بين النظرية والتطبيق- ط الدار المصرية اللبنانية ٢٠١٣
٢- د. أشرف توفيق- كتابة السيناريو تعريفات وتطبيقات - دار العربي للطباعة والنشر ٢٠١٦
٣- في كتابة الكوميديا السينمائية- تأليف: جيرالد ماست - ترجمة مصطفى محرم - ط المركز القومي للترجمة - القاهرة ٢٠١٩
٤-د. عبد اللطيف الصوفي - فن الكتابة للناشئة- دار الفكر دمشق سوريا ٢٠٠٧
٥- شاكيتي غاوين- التصور الإبداعي- ترجمة اسامة بديع- دار الفكر - دمشق- سوريا - ٢٠١٠
٦- أمين سلامة- دليل الإخراج المسرحي - العربي للنشر والتوزيع - ١٩٨٧م
٧- د. حسن ظهيري- مفهوم المسرح - دار الصياد المغرب ٢٠١٩
٨- أ.د. فضيل شناوة - أساليب أداء الممثل المسرحي- ط دار الرضوان القاهرة- بدون تاريخ
٩- علي أحمد باكثير- فن المسرحية حسب تجاربي الشخصية-ط مكتبة مصر يناير ١٩٨٤م
١٠- نهاد صليحة - المدارس المسرحية - ط دار العلم للملايين - بيروت لبنان - ١٩٩٤م