قراءة فنية في صناعة النص المسرحي (٨)
المسرح الموسيقي "ميلودراما"
بقلم: مصطفى نصر
على الرغم من أن الموسيقى كانت جزءاً من المسرح منذ أقدم العصور القديمة، إلا أن المسرح الموسيقي (الميلودراما) ظهر كفن منفصل منذ اواسط القرن التاسع عشر في أوربا، والميلودراما هي نوع فرعي من الدراما، وتتميز بشخصيات نمطية ، ومشاعر مبالغ فيها ، وصراعات شخصية، بل تحتوي الميلودراما غالباً
على مؤامرة مثيرة، مع العديد من التحولات والانعطافات والتشويق، وتكون الشخصيات في الميلودراما مثيرة للغاية ومبالغ فيها، وغالبًا ما تظهر كقوالب نمطية، تضم أبطالًا يعانون منذ فترة طويلة، وخاصة الإناث اللائي يحاولن عبثا التغلب على المواقف المستحيلة.
إذن فإن الفرق بين الدراما والميلودراما هو أن الميلودراما هي تكون مثيرة ومصممة لنداء العواطف بقوة، لأن موضوعات الميلودراما توجه نحو المأساة والحب غير المقيد والخسارة، وغالبا ما تنتهي بأن تسيل الدموع مدرارة من قبل الجمهور، وما تحتويه من مؤامرات تقلب الأوضاع رأساً على عقب، وتفتقر للتسلسل المنطقي لأنها تأتي في شكل حاد مليء بالصراعات، ويظهر فيها بوضوح تعارض العواطف مثل الحب الكراهية ، الخير - الشر. وتدعى بطلة العرض الغنائي في الميلودراما أنها تعاني وتصرخ ، وسوف تكافأ نتيجة لذلك بتعاطف "الأمير الجميل" (البطل)، وسيبقي الشرير في مثل هذه الأفلام بالضرورة حتى النهاية، لكنه حتماً سينهزم.
والفرق بين الدراما والميلودراما أيضاً أننا نرى في الدراما حياة حقيقية للغاية ورغم مخاوف البطل ورغم المعوقات الجمة فإن الأمور ستصل إلى نهاية ما، أما في الميلودرا ما فإن الحكاية خرافية للكبار فقط، والشخصيات مهووسة بمشاعرها فقط، لأنها صممت لربات البيوت اللائي سئمن الحياة الرمادية، ويبحثن عن علاقات عاطفية خيالية، وكل شخص سوف يُرى في نهاية المطاف بثوب الزفاف الأبيض، دون ان يمهد شيء لهذه النهايات السعيدة.
كما ان ما يميز الميلودراما على الدراما الموسيقى وفي المسرح الميلودرامي تساعد الموسيقى على إيصال الأفكار إلى المتفرجين، بمساعدة اللغة التعبيرية ولغة الجسد والفعل الفيزيقي، ونتيجة لذلك تبرز تأثيرات حسية ونفسية في إضفاء الجو الروحي العام للعرض المسرحي وهما معاً “الموسيقى واللغة التعبيرية للجسد” يحددان إيقاع المشهد . وبالتالي من إيقاع المشهد يبرز الإيقاع العام للنص، لذا فإن لكل مسرحية بناء موسيقي خاص بها، لا يمكن استخدامه في نص آخر أو مسرحية أخرى حتى ولوكانت قريبة منها من حيث الموضوع أو اتفقت معها في النوع.
وعلى المخرج الذي يريد استخدام الموسيقى والمؤثرات الصوتية في عمله المسرحي عليه أن يحسن اختيار الموسيقى التي تجذب الجمهور، وأن لايبالغ في استخدامها، إذا على المخرج أن يكون ذواقاً في عملية اختيار وتصميم الموسيقى لان مفتاح نجاح العمل بيده وان يكون فكرة (للدراماتورج) أثناء التأليف الموسيقي من خلال تصميم مجموعة من المعزوفات المختلفة التي تجمعها وحدة موضوع وهي فكرة العمل المسرحي وعليه أن يميز بين استخدام الموسيقى في المشاهد وان يستطيع أن يكون دراما موسيقية متكاملة كأن تكون صراعاً بين الخير والشر أو الحياة والموت أو الحزن والفرح وغيرها.
والاستعانة بالموسيقي أثناء العرض المسرحي فن، فالمخرج البارع هو الذي يستعين بالموسيقى عندما يقتضى النص وجود موسيقى في المشهد، أما المخرجون غير المتمرسين فهم من يستخدمون الموسيقي بشكل مبالغ فيه، إذ يتخذ من الموسيقي وسيلة لسد الفراغات وزيادة وقت العرض المسرحي من خلال موسيقى قد لا تمت للعمل بأية صلة، ويقول بعض النقاد في مجال المسرح إن استخدام الموسيقى الجيدة والمناسبة في العرض المسرحي لا تساعد المشاهدين فقط على الاستمتاع بالعرض، بل تساعد كذلك الممثل على أن يبرز طاقاته من خلال إعطائه مساحة للأداء وإظهار مرونة جسمه وخاصة في الأعمال الصامتة.
——-
المصادر
1- ألن دنيور : القيم الروحية والأخلاقية في الموسيقى ، ت:محمد جواد داود ، مجلة القيثارة ، وزارة الإعلام 1989،
2- كتاب “المدخل الي الفنون المسرحية “تأليف فرانك م.هوايتنج ،القاهرة، دار المعرفة للنشر،1970
3- كتاب “تحليل القوالب الموسيقية “تأليف فيكتور باينكو ترجمة عماد حموش، دمشق، منشورات وزارة الثقافة،1998