قصة قصيرة جدا
الدرس الأخير
بقلم: مصطفى نصر
في آخر يوم دراسي له بالمدرسة، وهو متوجه للعمل بقسم التوجيه بالمنطقة التعليمية، أقام له زملاؤه وطلابه بالمدرسة حفلا وداعيا ضافيا، تبودلت فيه كلمات التقريظ والثناء على شخصه بكلمات نابعة من القلوب، تثني على شخصه، وجهوده التربوية الكبيرة في هذه المؤسسة التعليمية.
كان وهو جالس وسط هذا الاحتفال يسرح بعيدا عنهم، غير مصدق تماماً أن يكون هذا الحديث الدائر كله حوله هو بالذات، حزن كثيراً على هذا الثناء المتأخر، فلو كان يعلم أن هؤلاء الناس جميعا يكنون له كل هذه المشاعر الجياشة، ويعترفون بإنجازاته بهذه المؤسسة لكان الأمر مختلفاً جدا، ولكانت درجة عطائه أكبر.
تعجب لأمر هذه الأمة التي لا تقول للناس كلمة ثناء وتقدير إلا في الدرس الأخير في أحسن الأحوال، وربما يرحل الكثيرون دون أن يسمعوا كلمة ثناء واحدة طوال حياتهم، ولا تقال كلمات الثناء ويقدر جهد المبدع إلا بعد ان يودع الحياة نفسها وينتقل للدار الآخرة.
وكم من مبدع عاش الكفاف في حياته، ولم تقم المهرجانات التي تكلف مبالغ طائلة لتكريمه إلا بعد وفاته، لو كانت قدمت له في حياته لأزالت عنه الكثير من الكروب التي عاشها في حياة كلها ضنك وحرمان.
بدأت الأسئلة تزدحم في حواره الداخلي هذا، ويلح عليه سوال واحد اكثر ممن غيره: لماذا نضنُّ على أنفسنا بكلمات الثناء والتقدير التي هي أكبرِ دافع للمبدع ليقدم ماهو أفضل من كل ما قدم!
.
في هذه اللحظات المليئة بالوجد والشجن، ندم على أنه حرم نفسه وأمه الراحلة من أن يقبل رأسها وأقدامها تحت غطاء الخجل، والتربية الخاطئة التي لم تعلمه كيف يعبر عن مشاعره بصدق، ولم يشعر بأنه قصر معها في التعبير عن مشاعره إلا بعد أن رحلت، بدأ يقول لو كانت موجودة الآن لقبلت التراب الذي تمشي عليه.
تمنى ان يجد فرصة ليقول لكل الناس الذين هم في القاعة: يجب علينا ألا نخفي مشاعرنا الجميلة تجاه الناس، لأن الدنيا قصيرة جدا، وقد نودع من نحب في لمح البصر، وقبل أن نقول لهم حتى كلمة وداعا.
تمنى أن تتاح له الفرصة ليقول لهذا الجمع نبينا الكريم يجب أن يكون القدوة لنا في كل تفاصيل حياتنا، فهو عليه أفضل الصلاة والسلام كان لا يخفي مشاعره على أصحابه ولا على زوجاته وآل بيته..فنحن بحاجة الى أن تزهر قلوبنا حبا لكل من نحبهم.
كان يردد في نفسه؛ الندم لن يعيد لنا من رحلوا.. فليتنا نبدأ مع من بقوا، أفاق من كل هذه الخواطر مع صوت المنصة وهي تدعوه باسمه لتسلم شهادات التكريم وهدايا المعلمين والطلاب التي أعدت له، وتوجه نحو المنصة بعيون ملؤها الدموع للمفاجأةًّ التي لم يكن يتوقعها.