اركماني
بقلم: مصطفى نصر
الملك النوبي أركماني أو أرقماني هو أحد ملوك كوش القلائل الذين ذكرهم بالاسم المؤرخون الإغريق، كما عاصر ملك مصر بطليموس الثاني في الفترة من (285- 246 ق.م.). إذ أنه أول من رفض تدخل رجال الدين في السياسة، فتوج نفسه ملكا لدولة مروي دون أي طقوس للكهنة، إذ أرخ المؤرخون ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩ، ﺑﺄﻥ ﺃﺭﻛﺎﻣﺎﻧﻲ، ﻭﺍﻟﺬﻱ ﺃﺳﻤوه "ﺍﺭﺟﻤﻨﻴﺲ" وقبل مجيئة إلى السلطة في عام 270 ق م، كانت مروي تعيش أسوأ عهودها حينما أحكم كهنة معبد آمون قبضتهم على مقاليد الأمور في البلاد وجمعوا السلطة الدينية والدنيوية في أيديهم ثم أطلقوا أيديهم ومارسوا أبشع أنواع الإرهاب في حق الملوك والرعية. جمعوا الذهب والمجوهرات والغلال وكل ملكية يمكن إقتناؤها لتجير زورا وبهتانا إلى المعبد ثم إنتفعوا بها . هددوا الملوك بالذبح الطقسي وفقا لشرائع المعبد كما يدعون ، إذا ما تجرأ أحدهم ليتحدث عن التجاوزات التي يرتكبونها أو ينبس ببنت شفه في ذلك . عندها خشي الملوك على حياتهم من المصير المحتوم فآثروا الصمت .
خلق أركماني من طينة لا تعرف الخوف ففي العام ٢٧٥ ق.م أرسل طلبا لكهنة الإله آمون طالبا تتويجه ملكا لدولة مروي، فجاءه الرد من كهنة المعبد المفسدين في كلمتين لا ثالث لها: (أقتل نفسك) في إشارة واضحة لرفضهم طلبه، بل وقد جرت العادة بأن من يقال له اقتل نفسك لابد أن ينفذ الأمر بأن يقتل نفسه حرفياً بسيفه لأن هذا الأمر الصادر ليس بشريا بل هو بالسلطة المستمدة من الرب.
جرد أركماني بالفعل سيفه لكن ليس لكي يقتل نفسه، إذ صعد فوراً للجبل في القلعة العالية لكهنة الإله آمون والتي يعتبر الوصول إليها في حد ذاته تجرأً على مقام الألوهية، فأعمل سيفه في الكهنة تقتيلاً حتى لم يبق منهم أحدا، ونزل من القلعة ليتوج نفسه ملكا على مملكة مروى، وكان اول قرار أصدره هو إلغاء سلطة الإله آمون المسمى عند الفراعنة المصريين (رع) في الأراضي المروية، وتوج بدلا عنه الإله أباداماك إلاها للحرب بالدولة المروية، وتوج (تارا) ابن الكنداكة أماني شاخيت الذي عرف لشجاعته بلقب (قلب الأسد) ظلا للإله أباداماك في الأرض، وذلك لأن أباداماك إله غيبي ينوب عنه تارا في تصريف الامور باسمه، فألبسه تاج القداسة الالاهية الأبيض الدائري والصولجان المقدس والمياه المقدسة الخاصة بالتعميد.
وقد أشفق الجميع على حياته كثيرا، إذ أن كهنة الإله آمون رسخوا في عقول الناس أن من يتحدى سلطات الإله آمون سيصاب بالبرص والجزام وستكون نهايته في فك أسد، ولكن الملك أرقماني عاش في أفضل حالة صحية طوال ٢٥٠ عاما، منها ٣٩ عاما كملك متوج للدولة المروية، ومات ميتة طبيعية ودفن بالهرم رقم سبعة من أهرامات البجراوية.
...