قراءة نقدية في فن صياغة المقال (١)
مدخل
بقلم: مصطفى نصر
المقال: هو قطعة نثرية محدودة الطول يتناول فيها الكاتب قضية محددة، يعبر فيها كاتبها حول القضية التي يختارها من وجهة نظره الخاصة، دون أن يحجب عن الآخرين التعبير عن موضوعه حسب وجهة نظرهم الشخصية ولو كانت مخالفة لرؤيته ، فاختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، ولا يدعي إلا الجاهل فقط أنه يملك الحقيقة المطلقة، أو أن وجهة نظره هي الحق ومادونها الباطل، فقد قال الإمام علي كرم الله وجهه "نصف رأيك عند أخيك، ورأيك خطأ يحتمل الصواب ورأي أخيك خطأ يحتمل الصواب" فالمحيط بالحقيقة المطلقة هو الله سبحانه وتعالى وحده.
وتعبر المقالة عن رأي الكاتب الشخصي، وهي لا تعبر عن وجهة نظر الدورية أو المجلة أو الصحيفة التي كتبت فيها، إلا إذا كان كاتبها ناطقًا رسميًا باسم هيئة التحرير، ولو كنت ناطقا رسميا باسم وزارة أو مؤسسة أو جهة، فمطلوب منك في هذه الحالة أن توضح للقارئ منذ المقدمة ما إذا كان هذا الرأي صادرًا منك شخصيًا أو هو وجهة نظر الكيان الذي تمثله، إذ أنه في حالة عدم التوضيح يجوز للصحفي أن ينسب هذا الكلام للجهة التي تمثلها.
ويجب أن تمتاز المقالة ببساطتها وسهولتها، وعلى كاتبها أن يتذكر أنه لا يخاطب المختصين فقط في هذا المجال، لذا يتوجب عليه أن تكون لغته على قدر فهم القراء بمختلف مستوياتهم، وأفضل كتاب المقال هم من يبسطون المصطلحات العلمية التخصصية حتى تكون مفهومة للعامة، لذا فإن الدرجات العلمية تمنح أفضل تقدير إذا خاطبت المختصين وغير المختصين على حد سواء، كما أن لغته يجب أن تكون في حد أوسط بين العامية والفصحى، فلا تجنح للتقعر باستخدام الغريب من وحشي اللغة الفصحى، كما أنها يجب في نفس الوقت ألا تنحدر الى اللغة العامية المبتذلة، فتكون فصحى بقدر معقول من الكلام السهل الممتنع.
كما تمتاز المقالة بأن لها مقدمة وعرض وخاتمة، فقل لهم في المقدمة ماذا ستقول لهم بصورة مجملة، ثم قل لهم في العرض ما تريد قوله بصورة مفصلة في عدة فقرات، تستوفي كل فقرة الفكرة كاملة، ولا يجب أن تعود للفكرة التي ناقشتها في الفقرة مرة أخرى تجنبًا للتكرار، بأن تكون كل فقرة مختصة بفكرة محددة وجديدة، ثم تأتي الخاتمة لتقول فيها ماذا قلت لهم باختصار، وتركز في الخاتمة على التوصيات، والجديد غير المطروق الذي خرج به المقال، وغالبًا ما يضع كتاب المقال مسودة مسبقة تحمل ملامح المقال في شكل رؤوس أقلام كخارطة طريق قبل الشروع في الكتابة،
ويجب تجنب الإطالة بحيث لا تزيد المقالة عن خمس أو ست فقرات، خاصة المقالة الصحفية التي تشدد فيها سياسة أكثر الصحف بأن لا تزيد على خمسمائة إلى سبعمائة كلمة.
ويجب ان يراعى في المقال أن يناقش موضوعًا واحدًا فقط يركز الكاتب على كل تفاصيله دون إيجاز يخل بالمعنى، أو إطناب يؤدي للملل، ويشدد النقاد على وحدة الموضوع في المقالة، لأن تعدد الموضوعات من شأنه أن يشتت ذهن القارئ، كما أنهم اشترطوا في كاتب المقال الالتزام بما يدعو إليه، إذ أن القارئ يصاب بصدمة عنيفة ويفقد الثقة بالكاتب عندما يكتشف أن من يصدع رأسه كل يوم بالحديث عن أضرار الخمر، هو في حياته الواقعية مخمور، لذا فقد صدق الشاعر عندما قال لا تنه عن خلق وتأتي مثله.
قبل تقديم المقال للنشر كن أنت الناقد الأول لمقالك أقرأه بصوت مسموع لنفسك، فإن جرس الكلمات المنطوقة يكشف عن الخطأ، فأحيانًا حتى وإن لم تكن عالمًا بقواعد النحو والإملاء فإن جرس الكلمات يدلك على أن هذه الكلمة يجب أن تكون مرفوعة أو مجرورة أو منصوبة فقط باحساسك باللغة، وفي هذه المرحلة كل كلمة تشعر بأنها حشوًا (لا يؤدي حذفها لأي تأثير سلبي) أحذفها فورًا.
وسنواصل في كشف أسرار فن المقال في عدة مقالات قادمة إن شاء الله