قراءة نقدية في أسرار فن صياغة المقال (٢)
كتب : مصطفي نصر
أسلوب المقال
يختلف أسلوب المقال بحسب نوعه، فالمقال الأدبي: يخاطب العاطفة ويدغدغها، لذا يجب أن يقوم على خصائص الأسلوب الأدبي القائم على التأنق في العبارة، بتخير الألفاظ ذات الأبعاد الجمالية والجرس الموسيقي والايقاع، معتمدا على دراية بأساليب علوم البلاغة سواءً فيما يتصل بعلم المعاني أو البيان أو البديع، وخبرة في الخبر والإنشاء والوصل والفصل والإيجاز والإطناب والمساواة والتقديم والتاخير والقصر، معتمدا على السجع والجناس غير المتكلف الذي يعطي جرساً موسيقياً للألفاظ، ومعتمداً في ترسيخ المعاني على الطباق والمقابلة إذ أنه بضدها تتضح الأشياء كما قيل قديماً في الأثر، مع تنويع أساليب الخطاب بين الحقيقة والمجاز .
أما الاسلوب العلمي فينأى عن الزخارف اللفظية إلى لغة المصطلحات والأرقام والجداول الكمية والكيفية، لأنه يخاطب العقل ويميل إلى لغة الإقناع العقلي والمنطق، ولا يستخدم من الأساليب البلاغية إلَّا التشبيه لأنه يقرب المعاني للأذهان، ويميل إلى اللغة الواضحة الخالية من التعقيد اللفظي والمعنوي.
أمَّا المقال الصحفيٌ فيجب أن يكون بلغة عفوية بسيطة تخاطب المثقفين وأشباه الأميين على قدر سواء لتنوع قراء الصحف واختلاف مستوياتهم العلمية، كما يجب أن يراعي قضايا الواقع والمعاش اليومي الذي يهم السواد الأعظم من المواطنين، مع مراعاة عدم التناقض في الأفكار والرؤيه، ويميل فيه الكاتب للغة الاقناع فيقوي جمله بما يفيد الرجحان والمؤيدات وضرب الأمثال.
وبما ان المقال الصحفي يعرف بأنه وثيقة مكتوبة يجري إعدادها لوسائل الإعلام، ويكون الغرض منها الإعلان عن شيء يستحق النشر، بالإضافة لتزويد المراسلين والمحررين بالمعلومات الضرورية لاستخدامها في نشراتهم وإصداراتهم في الصحف والمجلات، أو على المواقع الإلكترونية، فيجب على كاتبه تحري الدقة فيما يقدم من معلومات، وأن يتوخى فيه عدم رمي الاتهامات جزافاً إلا اذا بحث وتقصى واستوثق وعاد إلى مصادر متعددة لضبط المادة، ويجب عند إعداده مراعاة خمسة أسئلة هامة هي ماذا ومن وأين ومتى ولماذا، حتى يستوفي كاتبه جميع أركان الأسئلة التي تلبي ما يحتاج القاري لفهمه.
ثم يأتي المقال الاجتماعي فهو مقال يتناول ظاهرة اجتماعية محددة، شائعة ومنتشرة وتشغل الناس حقيقة لتناميها، كظاهرة الطلاق أو التسول أو أنماط السلوك المختلة التي لا تشبه مجتمعنا وعاداته وتقاليده، ويجب على الكاتب تسليط الضوء على القضية بأسلوب مباشر، ثم طرح بعض المقترحات لتصوره للحلول، وهي حتماً لا يمكن أن تكون حلولاً جذرية، لكن من الممكن طرح بدائل مقترحة للتخفيف من الظاهرة، وتعد الدراية بشيء من علم الاجتماع شيئاً مهماً لمن يتصدى للمقال الاجتماعي، إذ أن هذه المعرفة تسهم في إيجاد تفسير منطقي وعلمي للظواهر الاجتماعية المحيطة بالأفراد، كما يقوي المقال الاجتماعي اللجوء لاستطلاعات الرأي، والعودة للاحصائيات المتوفرة من الدولة والجهات الحكومية لاحصاءات دقيقة حول الظاهرة.
أما المقال الديني فهي مقالة تُعنى بدراسة قضايا العقيدة وشعائر الدين ودورهما في حياة الفرد والمجتمع، وبدهي أن موضوعاتها مما يمس حياة الإنسان وصلته بنفسه ومجتمعه وخالقه، ومن ثم فهي ذات جذور بعيدة في تراثنا العربي، فتطور الحياة وما يظهر فيها من مستجدات في السلوك والمعاملات والعقائد تتطلب تحديد الموقف الديني منها، وهو مقال يعتمد على دراية واسعة بالقرآن الكريم والسنة المطهرة وأقوال السلف، وخبرة بتفسير الآيات وأسباب النزول، ودرجات الحديث وعلم الجرح والتعديل لمعرفة رواته، وهي أمور حساسة يجب أن لا يخوض فيها إلا عالم بالفقه والأصول، لأن تصدي غير الدارسين دراسة شرعية متعمقة لهذا النوع من المقال قد يفجر مسائل خلافية غير محمودة الجانب، كما أن في أسلوبه دغدغة للعقائد والمشاعر الدينية بين الترهيب والترغيب واستثارة العاطفة الدينية والغيرة على الدين وعقائده وأصوله وقيمه.
واخيراً والمقال الفلسفي وهو يميل في اسلوبه للقواعد المنطقية وعلم النفس، ويقوم على أسلوب بسيط ولغة بينة في طرح القضايا الفلسفية العميقة وأقوال الفلاسفة ونظرياتهم تقوم على أفكار علمية وحقائق مرتبة، وهي في العادة تطرح افكاراً قابلة للنقاش والتطوير وليست حقائق مسلم بها، لذا يلجأ فيها الكاتب إلى لغة الرجحان باستخدام ألفاظ تدل على عدم القطع مثل لعل وربما ويبدو لي وما شاكلها ممكن ألفاظ تفتح باب النقاش، ولا تطرح بثقة كبيرة إلا الأفكار التي أخضعت لتجارب عميقة وتطبيقات علمية محكمة.
فضلا عن أنواع أخرى من مقالات النقد الفني والمسرحي والسينمائي والرياضي والرسم والنحت والعمارة المتخصصة في هذه المجالات التي تدرس عبر المعاهد المختصة بالفنون الجميلة والتطبيقية والعلوم المسرحية .