قصة قصيرة
لعبة القدر
بقلم: مصطفى نصر
كان عامل التحويلة بمحطة السكك الحديدية يضع يده على قلبه لهول المفاجأة التي يرآها أمام ناظريه، القطار يتحرك بسرعة تجاه تسعة طلاب يلعبون في المكان الخطأ عند مسار القطار الرئيس سيدهسهم القطار المتوجه ناحيتهم في مساره الطبيعي، وفي نفس الوقت هنالك طالب واحد آثر السلامة فاختار أن يلعب وحده بجوار الخط الثانوي، هدى عامل التحويلة تفكيره إلى أن يحول القطار باتجاه الخط المهمل الذي به الطالب الواحد حقنًا لدماء التسعة، وبذا سيبدو للجميع إدارةِ ومواطنين للوهلة الأولى أن عامل السكك الحديدية قد اختار القرار الصحيح بتضحيته بالفرد في سبيل الجماعة.
ولكنه فجأة فكر بأن هذا القرار صحيحاً بمنطق الكم، أما بمنطق الكيف فإنه قد أخطأ، فالطفل الذي ضحى به عامل السكة الحديد كان أذكى الأطفال العشرة، وسيكون الأنفع لمجتمعه مستقبلا بحكمته وحسن تصرفه وقدراته على التفكير خارج الصندوق، من كل هؤلاء الاغبياء، إذ أنه الوحيد الذى فكر واختار القرار الصحيح باللعب فى المنطقة الآمنة، أما البقية الذين سينقذ العامل حياتهم فهم الأغبياء المستهترون.
ثم إنه في هذه الومضة من عمر الزمان فكر كيف يختار شخص الطريق الصحيح فأجعله له أنا خيارا خاطئاً، فماذا لو احتج عليَّ أمام الله بأني جعلت صوابه خطأً، وخطأ هؤلاء الأغبياء صوابا؟ ولماذا أأخذ أنا الذكي بجريرة أهل الغباء؟!
رغم هذا النزاع النفسي الذي يجب أن يحسم في ثوان فقط، إلا أنه اختار معيار الكم على الكيف فحول السكة في اتجاه الطالب المنفرد الذي رجح أنه رغم أنه في المكان الآمن أعطى هامشًا للاحتمال الأضعف، فاتخذ مسافة جيدة قليلا لتفادي ولو نسبة نصف من المائة في المائة بأن يأتي القطار من ذات الاتجاه، وبذا يستطيع بدفع نفسه قليلا ان يتفادى عجلات القطار، رغم خطورة الهوة التي سيسقط باتجاهها
ولأن مشيئة الله التي هي فوق مشيئة الجميع أرادت ألا يجد هذا الطالب المنفرد حتفه في ذلك اليوم، لأن أجله المكتوب أطول من ذلك، فقد أحسَّ مبكراً بالورطة التي فيها عامل التحويلة فقفز من مسار القطار بأعجوبة في اللحظة الأخيرة، ونال عدداً من الكدمات والسحجات والكسور في تلك الهوة، لكنها كانت الخيار الأفضل إذ نجا الجميع بأعجوبة، لأن إرادة الله فوق كل إرادة.