مدارس الأدب في العصر الحديث
6- مدرسة الحداثة الشعرية
بقلم مصطفى نصر
تعد قضية الحداثة من أبرز القضايا الشائکة التي جدت في العصر الحديث وشغلت حيزاً کبيرا من نقاش النقاد وکتاباتهم النقدية، وسأحاول في دراستي هذه أن أتحدث عن الأسس والمرتکزات الفکرية والفنية التي قامت عليها مدرسة الحداثة الشعرية في الوطن العربي، سواء في حوارات مدرسة الحداثة في أواخر القرن التاسع عشر، أو حوارات مدرسة ما بعد الحداثة في الربع الأول من القرن العشرين وحتى بداية الألفية الثالثة.
فالأسس والمرتکزات الفکرية لمدرسة الحداثة الشعرية في الوطن العربي تمثلت في الحديث عن مفهوم الحداثة ومقوماتها التي تنهض وتقوم عليها، بالإضافة إلى موقفهم المتمثل في الخروج على البنية المرجعية النصية، وموقفهم من التراث العربي، وخلافهم الجذري مع الفکر والنقد التراثي.
أما عن الأسس والمرتکزات الفنية التي قامت عليها مدرسة الحداثة الشعرية في الوطن العربي ، وقد تمثلت هذه الأسس في اهتمامهم بفن الشعر على وجه الخصوص، بالإضافة إلى حديثهم عن طبيعة الشعر وماهيته التي يجب أن يکون عليها، بالإضافة إلى موقفهم من قضايا اللغة الشعرية، والشکل والمضمون، والوزن الشعري، وقصيدة النثر، والتجريب، ومعيارية النص الحداثي .
الأسس والمرتکزات الفکرية لمدرسة الحداثة الشعرية في الوطن العربي:
تمثلت هذه الأسس في الآتي:
- الحديث عن مفهوم الحداثة، ومقوماتها التي تنهض وتقوم عليها، بالإضافة إلى موقفهم المتمثل في الخروج على البنية المرجعية النصية، وموقفهم من التراث العربي، وخلافهم الجذري مع الفکر والنقد التراثي العربي .
ماهو الموقف الحداثي من التراث:
الموقف الحداثي من التراث كان موقفا إشكاليا، وكون "التراث" و "الحداثة" على وجه الخصوص من المصطلحات الشائكة التي أثـارت جــدلا واسعا بين النقاد و الباحثين، الأمر الذي دفعنا إلى استقصاء المفاهيـم محاولين إيجاد العلاقة بين المصطلحين (التراث-الحداثة)، لنتمكن بعدها من تحديد موقف الحداثيين من التراث الذين انقسموا بين مؤيد ومعارض، فالأوائل دعوا لمسألة الاتصال بكل ما هو تراثي، بينما الطرف النقيض انقسم إلى قسمين أولهما أصر على الانفصال عن هذا التراث، غير مستبعدين إمكانية وجود لمحات تراثية مفيدة، لكن وقف على النقيض تيار آخر على رأسه أدونيس بشكل خاص، باعتبار أدونيس أحد رواد الحداثة النقدية و الأدبية العربية المثيرة للجدل في الوسط النقدي العربي، حيث استمد نتاجه الشعري و النقدي من الثقافة الغربية ما أدى به إلى انتهاج طريق التمرد، داعيا إلى الإبداع رافضا كل أشكال الاتباع، والقطيعة مع التراث باعتبار أن محله المتحف، حيث لم تعد له قيمة بعد الآن.
أهم الخصائص الفنية لشعر الحداثة:
- استخدام اللُّغة العربيّة الفُصحى البسيطة ذات المعاني الواضحة، والتي يَسهُل على الغالبيّة العُظمى فهمُها، مع إدخال بعض الكلمات الصَّعبة ضِمن مُفردات القصيدة.
- التَّنويع في استخدام الأساليب البلاغيّة في القصيدة الواحدة؛ لكنَّها في ذات الوقت تُوظَّف لخدمة النَّص الشِّعريّ، مع مراعاة اختيار الأساليب البسيطة المفهومة، والصور الكلية والرسم بالكلمات.
- اختفاء شِعر الفخر بالذَّات والعشيرة الذي تميّز به الشَّاعر القديم.
- زيادة الخيال، والتّصوُّرات، والأساليب، واستخدام الرموز واستلام الأساطير العربية والأجنبية.
- كثرة استخدام الأسلوب السَّاخر في طرح الفِكرة.
- عدم الالتزام بالقافية، والخروج عن الشَّكل المُعتاد عليه في بناء القصيدة.
- اللُّجوء إلى الرَّمز في صياغة القصيدة، والتأمُّلات في الحياة، والكون، وخلق الإنسان، والغاية من وجوده.
- ظهور اتّجاهاتٍ جديدةٍ في القصيدة العربيّة، مثل: الاتّجاه السِّياسيّ، والقوميّ، والاتجاه الإنسانيّ، والإسلاميّ، والوطنيّ، والاجتماعيّ، واختفاء اتّجاهاتٍ أخرى، ومنها: المديح، والهِجاء، والفخر بالذَّات والعشيرة.
- الإكثار من استخدام القِصص الأسطوريّة والخرافيّة التي رُويت عبر التَّاريخ من سالف الأزمان.
- ظهور العديد من المدارس الأدبيّة والشِّعريّة التي تميّزت كلّ واحدةٍ منها بخصائص مختلفةٍ عن الأخرى، وأصبح لكلٍّ منها شعراؤها، ومُؤيِّدوها، ومناصروها، مثل شعراء: مدرسة الدِّيوان، وجماعة أبوللو، والمهجر، وغيرهم.
- الوحدة المتماسِكة للقصيدة؛ أي صياغة القصيدة صياغةَ وحدةٍ عضويّةٍ واحدةٍ متسلسلةٍ؛ بحيث لو أُسقِط بيتٌ واحدٌ منها لاختلّ المعنى كلّه، كما لا يمكن تقديم بيتٍ أو تأخير آخر.
- ظهور الحسّ والشّعور الوطنيّ، والانتماء والولاء للوطن والأمّة.
- التّأثير الكبير على الثّورات الشعبيّة العربيّة، وأكبر مثالٍ على ذلك هو الدّور الذي لعبه الشّعر الحديث في ثورة مصر عام 1919م.
وعلى الرغم من كل ما تقدم ننوه في الختام إلى أن مصطلح الحداثة هذا، ما يزال يكتنفه كثير من الغموض، إذ لم يتم الاتفاق بعد على تحديد هويته، ولا ما الحداثة؟ وما حدودها؟ وكيف يمكن أنْ نقبض على مواصفاتها؟ ومن الشاعر الحداثي؟ هل هو النص أم الناص أم المجتمع؟ هل الحداثة مرتبطة بالزمن أم أنَّها سائلة لا زمان لها ولا مكان لها، رغم أن هذا المصطلح ظل مطمح كل طامح، وهو من أكثر المصطلحات إغراء، إذ يحاول الكل منذ بدايات القرن التاسع عشر وبداية ظهور مدرسة الديوان وأبولو ومدرسة شعر المهجر والمدرسة الواقعية، وإلى عصر ما بعد الحداثة وقصيدة النثر التشبث به، حيث تدعي كل مدرسة أنها هي التي تمثل الحداثة، ولا حداثي سواها، وسنفصل أكثر في هذا بإذن الله عند حديثنا في المرة القادمة حول مدرسة ما بعد الحداثة والقصيدة النثرية.
_--------
مراجع المقال:
١/ كريس رودريغر - الحداثية - طبعة منشورات المتوسط 2009
٢/ محمد سبيلا - الحداثة وما بعد الحداثة - طبعة توبقال للنشر 2000
3/ أدونيس - مفهوم الحداثة - مجلة شعر (يوسف الخال وأدونيس) طبعة مطبعة رفيق الخال لبنان 1966
4/ محمد أركون -الحداثة الفكرية في التأليف الفلسفي العربي، طبعة مركز نماء للبحوث والدراسات 1970
5/ أثير عادل شواي - الشعر بعد الحداثة: النظرية - طبعة الروسم للصحافة والنشر والتوزيع 2019
6/ منير شفيق - في الحداثة والخطاب الحداثي - الطابعون مطبعة المركز الثقافي بروكسيل -بدون تاريخ