مدارس الأدب العربي في العصر الحديث
١/ مدرسة الإحياء والبعث (الكلاسيكية)
بقلم: مصطفى نصر
في 16 مايو 1916 وقع الوطن العربي كله تحت الاحتلال الاستيطاني الأوربي، بموجب اتفاقية سايكس- بيكو التي وقعت بين مندوب المملكة المتحدة مارك سايكس ومندوب فرنسا فرانسوا جورج بيكو، لتقاسم دول الوطن العربي التي كانت مستعمرات للدولة العثمانية، بعد هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى.
وبما أن هذا الاستعمار كانت له عدة وجوه، فإن أحد هذه الوجوه هو الوجه الثقافي، حيث سعى الاستعمار الفرنسي بدرجة أكبر والبريطاني بقدر أقل
إلى فرض ثقافته على شعوب هذه المنطقة، وهدم تراث هذه الدول وإبداله بالثقافة الاستعمارية، حتى يصبح المواطن مسلوب الهوية، وبالتالي أداة طيعة للاستعمار، لذا فقد رأى المثقفون العرب أن خير وسيلة للحفاظ على هويتهم من الاندثار هو بعث وإحياء التراث العربي ليقف سدا منيعا أمام الثقافة الأوربية
وامتد مفهوم البعث والإحياء هذا ليطلق على الحركة الشعرية التي ظهرت في مصر في أوائل العصر الحديث، والتزم فيها الشعراء بنظم الشعر العربي على النهج الذي كان عليه في عصور ازدهاره، منذ العصر الجاهلي حتى العصر العباسي، ويعد رائد هذه المدرسة محمود سامي البارودي، ومن أشهر شعراء هذا النهج: أحمد شوقي أمير الشعراء وحافظ إبراهيم شاعر النيل وأحمد محرم وعلي الجارم وغيرهم الكثيرون،
والمقصود بهذا الاسم أنه كما تعود الروح لجسد ميت، فترد له الحياة بعد أن فارقته، فيبعث إلى الدنيا من جديد، كما هو الحال بالنسبة للشعر العربي، الذي استسلم إلى حالة من الجمود، أخذ على إثرها في الضعف والاضمحلال منذ سقوط بغداد سنة 1258 في أيدي التتار الذين قضوا على الخلافة العباسية وخربوا بغداد وهدموا دور العلم، وألقوا بألوف المخطوطات التي تضم الثقافة العربية وتحوي تراثها في النهر.
خصائص مدرسة البعث والإحياء
حافظ شعراء هذه المدرسة على نهج الشعر العربي القديم في بناء القصيدة؛ فتقيدوا بالبحور الشعرية المعروفة، والتزموا القافية الواحدة في كل قصيدة. وتابعوا خطى الشعراء القدماء فيما نظموه من الأغراض الشعرية، فنظموا مثلهم في المديح والرثاء والغزل والوصف. كما جاروا في بعض قصائدهم طريقة الشعر العربي القديم في افتتاح القصيدة بالغزل التقليدي، والبكاء على الأطلال ثم ينتقلون إلى الأغراض التقليدية نفسها من مدح أو رثاء ونحوهما. كما أقدموا على استعمال الألفاظ على منوال القدماء فجاءت بعضها غريبة على عصرهم.
وعلى مستوى الألفاظ نسج شعراء مدرسة الإحياء على منوال القدماء في اختيار ألفاظهم، فجاءت فصيحة جزلة وتمسكوا بإحكام الصياغة، والأساليب البلاغية الشائعة في التراث الشعري القديم واقتبسوا من هذه الأساليب وضمنوها شعرهم، وحافظوا بذلك على الديباجة العربية الأصيلة، ورونق لفظها، وجرسها الموسيقي.
جاروا الشعر القديم – أيضاً – في تعدد الأغراض الشعرية في القصيدة الواحدة، فنجد فيها الغزل والوصف والمديح والحكمة أو نحو ذلك، وينتقلون من غرض إلى آخر كما كان يفعل الشاعر القديم.
وأقدم كثير منهم على مناظرة روائع الشعر العربي القديم، وقلدوها بقصائد مماثلة وزناً وقافية أو موضوعاً وكانت تسمى هذه بالمعارضة على نحو ما فعل شوقي في قصيدة نهج البردة التي عارض بها قصيدة البردة للإمام البوصيري.
وقد عارض كثير منهم روائع الشعر العربي القديم، وقلدوها بقصائد مماثلة وزناً وقافية أو موضوعاً، وأصبحت المعارضات ـ كما يقول أحد الباحثين ـ سمة من سمات العصر، بسبب كثرتها، حتى بدا إنتاج بعض الرواد، وكأنه في مجمله معارضة للشعر العربي القديم. على نحو ما ترى عند البارودي والكاظمي وشوقي وغيرهم، مع اختلاف أغراضهم في المعارضة؛ فقد تكون لترويض القول، واستكمال ثقافتهم الفنية والتمكن من الأداة التعبيرية، أو الاستفادة من معجم الأوائل الشعري، في المحاولات الأولى لنظم الشعر، وقد تكون معارضتهم فناً وإبداعاً لما تضمنته القصيدة التراثية من دلالة تاريخية أو حضارية، كالتي تضمنته بائية أبي تمام في فتح عمورية من ايحاءات تاريخية تعيدنا إلى عصر كانت للعرب فيه اليد العليا عسكرياً وسياسياً وثقافياً، فعارضها شوقي في قصيدته التي مطلعها:
الله أكبر كم في الفتح من عجب
يا خالد الترك جدِّد خالد العرب
بينما أكثر الشعراء من معارضة (البردة) لمناسبتها الروحية، ونجاح الشاعر في إعطاء الرسول عليه السلام صورة البطل المنقذ من ظروفهم القاسية التي يعيشونها، مع ما امتازت به من سهولة في اللفظ، وشمول في الرؤية، ودقة في التصوير. وقد يكون باعثهم على المعارضة هو التحدي والمنافسة الشعرية كما عند البارودي وشوقي.
ورغم كل ما قدموه من تقليد وانتهاج لما هو قديم إلا أنهم استحدثوا أغراضاً شعرية جديدة لم تكن معروفة من قبل في الشعر العربي، كالشعر الوطني، والشعر الاجتماعي، والقصص المسرحي، ونظموا الشعر في المناسبات الوطنية والسياسية والاجتماعية. واعتمدوا في نظمهم على الأسلوب الخطابي الذي يلائم المحافل. وكان شعرهم في مجمله هادفاً، جاداً في معناه، تنتشر الحكمة والموعظة بين ثناياه
وبعد هذه اهم خصائص مدرسة البعث والإحياء والتي كان هدفها الاساسي
انتشال الشعر من حالة الضعف والضمور الذي حدث له في عصور الاضمحلال في العصرين المملوكي والعثماني، وبما أن الأدب الغربي سبقهم في احتذاء نماذج الشعر اللاتيني والاغريقي القديم للخروج من اضمحلاله في القرون الوسطى - عصور الظلام في أوربا - فإن هؤلاء راقت لهم الفكرة فاحتذوا نماذج الشعر القديمة ذات الديباجة الرائعة في الجاهلية وصدر الإسلام والعصرين الأموي والعباسي.
وقد نجحوا فعلا في المشروع، لكن طبيعة الإنسان المتطلع للتجديد دوماً ملت من ذلك، فبدأ النقد ينهال على رواد هذه المدرسة مع ظهور مدارس الاتجاه الرومانسي على نحو ما سنفصل عند حديثنا عن مدارس الديوان - أبولو والمدرسة المهجرية فيما بعد بإذن الله
------------
مراجع المقال:
1/ إبراهيم السعافين- الإحياء والتراث - طبعة مكتبة الأندلس للطباعة والنشر-1973
2/ محمود سامي البارودي - ديوان البارودي - مطبعة العودة للطباعة والنشر والتوزيع بيروت 1998
3/ محمد شعبان محمد - مدرسة الاحياء دراسة نقدية - مطبعة الايمان للطباعة والنشر والتوزيع 2019
4/ عمر الدسوقي - في الشعر الحديث- طبعة دار الفكر العربي 2000م
5/ ياسر نديم القاسمي - المدرسة الكلاسيكية في الأدب العربي - منشورات الجامعة الإسلامية في ماليزيا 2001