ومضة
بقلم: مصطفى نصر
أيام في الأزهر
ولدت في كوستى.. ودرست فيها كل مراحلي الدراسية.. لم أكن أتوقع أن أخرج يوماً من حضن هذه المدينة الدافئ.. ولم أفكر يوماً في أن أغادرها إلى أي مكان.. كنت أعيش فيها في هناء وحبور.. أقضي نهاراتي في الدراسة.. ولا أخرج من المنزل إلا قليلاً.. لأنني لست من هواة كرة القدم.. كل من هم في سني كانوا يقضون الفترة ما بين العصر والمغرب في ممارسة كرة القدم أو في الإستاد مشاهدين لمباراة كرة قدم.. أو في ميدان الحرية يشاهدون تمرين فريق من فرق المقدمة في كوستي.. إلا أنا.. فأنا لم أمارس هذه اللعبة سوى مرتين أو ثلاث.. فوجدت أن هذا الملعب كبير جداً.. شعرت بأن في ذلك نوعاً من السخف.. أن تجري جيئة وذهاباً في مطاردة كرة.. نشأت في نفسي قناعة بأنني لست حصاناً لأشق هذا الملعب من أوله إلى آخره جرياً على أقدامي.. ثم هب أنك لم (تكعبل) ولم تدفع حتى تسقط على وجهك.. وربما تنكسر أو تفك يدك أو رجلك.. ولم يعترض طريقك أحد من هؤلاء العتاة المناطحين القشاشين الذين لا هم لهم سوى عرقلتك بكل الوسائل.. وهب أن الحكم لم يصفر عليك بمخالفة الدفع.. ولم يحسب عليك تسللاً.. ووصلت إلى المرمى ووضعت هدفاً في المرمى.. فما هي القيمة المضافة التي ستحققها.. وما هي الميزة التي ستحصل عليها.. لذا كنت أؤثر أن أبقى في المنزل محتمياً من هجير الرابعة إلا ربعاً في ظل ظليل.. بدلاً من هذه المطاردة للكرة.
* أمر آخر كنت أخشاه هو أن يراني جاري الأستاذ محمد محمود في الشارع.. فأقع في اليوم التالي في شر أعمالي فيعاقبني عند أبسط تقصير عقاباً عسيراً.. في زمن كان المعلم يشكل بعبعاً للتلاميذ وخاصة جيرانه.. الذين كان يكرمهم غاية الإكرام صوناً ﻷواصر الجيرة بعقوبات أكبر وأشد من باقي الطلاب.. فحذاري ثم حذاري أن يكون المدرس جارك.. وألف رحمة ونور تتنزل على قبرك إن كان المدرس هو أبوك أو أخوك أو عمك أو خالك.. ولا تحاول أن تلجأ إلى أهلك مشتكياً من هذا الضرب.. ﻷنك حينها لن تجني سوى ضرب آخر من الأسرة الكريمة.. في زمن لم تكن الطفولة تختبئ وراء محكمة الطفل.. وكان جميع الناس الكبار في المدينة لهم كامل الصلاحيات لضربك عندما تخطي لأن الولد ابن الكل كما يقولون.
* مرت سنواتنا في كوستي جميلة رقراقة.. من مدرسة جبور الأولية رقم 5 بالحلة الجديدة.. إلى مدرسة الخدمات الاجتماعية الثانوية العامة.. عند المدير والأستاذ القدير محمد حاج الطيّب عليه رحمة الله.. أما لماذا سميت مدرستي المتوسطة بهذا الاسم الغريب - الخدمات الاجتماعية-؟.. فالإجابة لأنها قد أسست من عشرة قروش كانت تستقطع كل شهر لصندوق الخدمات الاجتماعية من كل العاملين بالسكة الحديد.. عندما كانت السكة الحديد في أوج عنفوانها تشغل أكثر من مائة وخمسين إلى 200 ألف عامل وموظف ومهندس.. من الرئاسة في عطبرة إلى المنطقة الوسطى في الخرطوم.. انتهاء ببابنوسة والمجلد وأويل ثم آخر محطاتها في واو.. أضف إلى ذلك العاملين بالنقل النهري لأنهما معاً كانتا تحت إدارة واحدة.. وكانت السكة الحديد تنشئ مدارس خاصة بأبناء العاملين مزودة بداخليات مرفهة من مال الخدمات الاجتماعية.. الذي لم تكن هذه هي مهمته الوحيدة.. بل كان يقوم بمهام متعددة من بينها دعم العاملين في أفراحهم وأتراحهم.
نواصل
///////////////
آخر لحظة غدا 18-4-2018