قصة قصيرة
مكروبات
بقلم: مصطفى نصر
كنت قد خرجت في ذلك اليوم الخريفي الجميل إلى مخيم النازحين لأقود فريقي للتوعية بنواقل الأمراض، لإيماننا بأن درهم وقاية خير من قنطار علاج، تجمهر النازحون وبدأنا المحاضرة ننبههم بنواقل الأمراض وأولها وأخطرها مخلفات الإنسان والحيوان، منبهين سكان المخيم البسطاء إلى ضرورة غسل اليدين جيداً بعد قضاء الحاجة وقبل مغادرة الحمام، وقبل أن نلمس أي شيء بيدنا اليسرى الملوثة ببقايا البراز، لاحتواء البراز على ملايين الفيروسات والبكتيريا ومئات الأكياس من الطفيليات المسببة للاسهالات والأمراض المعوية.
كنا لا نخرج لتثقيفنا الصحي إلا ومعنا مئات الكراتين من المنظفات والمعقمات وأدوات النظافة وحبيبات الكلور لتعقيم المياه، التي تبذل فيها اليونسيف مئات الملايين من الدولارات، حيث إن النازحين بدون هذه الحوافز قلما يجتمعون لمحاضرات التوعية الصحية، لكنا مع هذه الكراتين المجانية كنا نضمن الكثير من الحضور ليس حباً في المحاضرة وإنما من أجل هذه الهدايا.
ما أن فرغنا من محاضرتنا حتى تفرق الفريق لزيارات ميدانية من خيمة لخيمة للوقوف على مدى النظافة، واحتياجات السكان من مواد وأدوات النظافة وحاويات المياه المغطاة. فوقعت عيني من بعيد على عجوز فرغت للتو من صنع الوقود من مخلفات الحيوان المخلوط بالقش، ووضعتها تحت أشعة الشمس لتجف، ثم ذهبت وغسلت يديها بالماء كيفما اتفق دون اهتمام يذكر بإستخدام الصابون الطبي الذي نوزعه لهم بكميات كافية شهريًا، لكنا نفاجأ بأنه تسرب للأسواق، رغم أنه مكتوب عليه من كل الاتجاهات (ليس للبيع)، مبررين ذلك بأنهم يفعلون ذلك لتوفير متطلبات مصروف الطلاب للمدرسة.
هرعت وأنا أجري باتجاه المرأة قبل أن تشرع في إدخال يدها الملوثة في الدقيق، أخرجت صابونة طبية من شنطة يدي وأعطيتها لها، وأمسكت بالإبريق لتغسل يديها بصورة جيدة، لكنها قابلت إصراري هذا بتردد، وآثرت المكابرة، في محاولة لإقناعي بأن الوقاية من الله وليس من الصابون، وأن قضاء الله وقدره إذا وقع لن يمنعه الصابون، ولن يتأخر ولن يتقدم، وأن الحذر لا يمنع من القدر، في محاولة بائسة لاستخدام النصوص المقدسة لسلوكها الخاطئ .
قابلت نصوصها التي تعمدت استخدامها مشوهة بتفسير خاطئ لنصرة نفسها الأمارة بالسوء، بنصوص أخرى توضح أن القضاء والقدر لا يعني ترك الأسباب التي يمكن ان تقينا منها، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" أعقلها ثم توكل على الله"، يعني أنا أدخل دابتي في الحظيرة، وأربطها ثم أغلق باب الحظيرة، ثم بعد ذلك أتوكل على الله، أحسست بأنها اقتنعت لكنها مازالت تحاول المكابرة.
قالت لي:موش قلت لينًا أن النار تقتل الجراثيم، الخبز يدخل النار
سألتها وهل هنالك ضرورة لأكل روث الحيوان؟
فبهتت العجوز وغيرت الموضوع، قالت لي خزان المياه يسرب.
قلت لها: نصلحه