تلبيس إبليس
بقلم: مصطفى نصر
لم يكن حديث الشارع حولي يهز فيَّ شعرة؛ لأني كنت متأكدًا من أنه مجرد حديث مفترىً، كانوا يتحدثون حديث العارفين عما يؤكدون أنهم شهود عيان عليه من أمري، قصص تحاك من حولي باعتبار أني بطلها، وهي كلها مجرد تلبيس إبليس لا علاقة لي بها لا من قريب ولا من بعيد.
بالرغم من أن من يحيكون هذه الأحاديث حولي يحلفون بأنهم أقاربي أو أصدقاء مقربين لي، يتحدثون بحديث العارفين ببواطن الأمور، لا مجرد ناقلين لحديث سمعوه عَرَضًا فحكوه.
قالوا على سبيل المثال لا الحصر: إنني قد دهستُ بسيارتي شابا يافعا ووليتُ هاربًا، لم أتوقف حتى لإسعافه أو السؤال عن حالته، رغم أني في حياتي لم أقد سيارة قط، ولا أعرف حتى يومنا هذا كيف يتم تحريك السيارة من مكانها، ولم يكن عندي بالطبع سيارة في حياتي ملك يميني، وهم جميعا يعلمون أنني لعقود، ظللت أميرًا على رواد المواصلات العامة.
يتهامسون عن أني أعرف بعض الأشخاصِ الكبار في الدولة، يساعدونني على وضع يدي على أراضٍ حكومية، ثم يساعدونني بتزوير ملكيتها في الأوراق الرسمية، وبذلك قد تجمعت بين يدي آلاف الأمتار المربعة من الأرض في مواقع حيوية وحساسة، بينما يعلم الله أنني لا أملك حتى اليوم منزلًا خاصا، وأنني من رواد الإيجارات المخضرمين، قضيت عقودا من عمري مثل الفراشات، أنتقل من زهرة إلى زهرة، ومن بيت إيجار إلى بيت إيجار، لم أستقر في أي حارة سوى عامٍ أو عامين.
هم يعرفون كل هذه الحقائق عني، لكنهم يفضلون الإشاعة أكثر من الواقع، الناس أصبحت تصدق الإشاعة أكثر من الحقيقة، ويصدقون الشخص المجهول أكثر من الشخص ذي الهوية المعلنة، وتصدق معلومة ذات جذور ضبابية، ولا تصدق معلومة لها جذور واضحة، ويحبون الكذابين والمخادعين والمتلونين ويهربون من الحقيقة. هكذا يعيش السواد الأعظم من الناس، وهكذا يستمتعون.
يسمون الجبناء باسم الأبطال، واللصوص باسم الشرفاء، وأنصاف المتعلمين باسم العلماء، فالإشاعة أصبحت أقوى من الحقيقة، والأمور في تلبيس وعمى، والجميع يعشقون الفوتوشوب أكثر من الواقع، والحقائق المزورة أكثر من الحقيقية، وباتوا في شغف كبير ليهرفوا بما لا يعرفون.
أحدهم يحكي لي عني ويدَّعي أنه ابن خالتي، ولا يعلم أنني الشخص المعني بالرواية، قال لي: إن فلانًا ابن خالتي (باسمي) يملك الدولار الأسود، ويقوم بتزوير الدولارات بعدَ منتصف الليل والناس نيام، ثم يرسلنا نحن أبناء العائلة صباحا لصرفها في الصرافات، وكل من يصرف ما عنده من أوراق نقدية يسلمه ٢٥٪ من المبلغ كعمولة.
سألته عن اسم خالته التي هي قريبة هذا الشخص، انتفض من مفاجأة السؤال له، تركني وانصرف.
تمت المراجعة والتنسيق من قبل فريق
مجموعة ريمونارف الأدبية