قراءة نقدية في عناصر فن القصة (٣)
وقفة مع السرد
بقلم مصطفى نصر
لا يوجد ما هو أروع أو أكثر سحرًا من سرد قصة على نحو جيد. فلابد لك أن تنصت؛ فتجد نفسك منجذبًا ومندمجًا بالكامل، وقادراً على الإمساك بخيوط فن القصة خيطا خيطا، لا تبح بكل أسرار القصة، اترك لك خبايا ومفاجآت، اجعل القارئ متمسّكا بمواصلة القراءة.
اعتمد على جمل قصيرة للسرد، اجعل القارئ يتشوق لبقية الأحداث، أمسك بتلابيب القارئ وأجعله في شوق لما يعرف بخبايا القصة.
لجذب القارئ وربطه بالنص عليك بتسريع السرد ما استطعت إلى ذلك سبيلا -خاصة في القصة القصيرة- وتسرع السرد في القصة القصيرة بالتركيز على حدث واحد.
لاتهتم كثيرا بتصوير المكان إلا بالقدر الضروري، ولا تعمق من شخصياتك، ركز على شخصيتين، أطل في وصف خصائصهما النفسية وأشكالهما الخارجية، ولا يضرك إن كانت بقية الشخوص مسطحة، لأن كشف معالمها كلها تصيب القارئ بالملل، ووصف كل صغيرة وكبيرة في المكان أيضاً يصيب بالضجر، عمّق العقدة القصصية أكثر من الاهتمام بالوصف.
أجري حوارات بين الأبطال مختصرة ومكثفة تكشف عن كثير من الجوانب في القصة، الحوار مكانه المسرحية لا القصة، أنت فقط تحتاج للحوار لكسر رتابة السرد، وتُشعر القارئ بأنه جزء من الحدث، لوجود شخصيات تشبهه وتمثله، هذه كلها عوامل لتسريع إيقاع السرد، الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة يكون في الروايات ذات السعة في أبعادها المختلفة حدثا وشخوصا وزمانا ومكانًا ووصفا.
والسرد فن تفاعلي تُستخدم فيه الكلمات والأفعال بطريقة تكشف عن عناصر وصور النص الأدبي، لتشجيع عقل المستمع أو القارئ وإثارته، وهو شكل من أشكال الفن التعبيري القديم، الذي يقوم على التفاعل ثنائي الإتجاه بين السارد والمسرود له من خلال الربط المباشر المحكم بين الطرفين.
ولابد من استخدام اللغة التعبيرية التصويرية لإيصال الفكرة والهدف والمعنى، استخدام الإجراءات مثل النطق والحركة الجسدية والإيماءات، استخدام الأشكال الفنية مثل تقديم الكوميديا الإرتجالية أو الشعر ضمن تقديم النص، وتشجيع الخيال من خلال تصور الأحداث الموصوفة في القصة، كل هذه عوامل تجعل القارئ لا ينفصل عن النص، ويصر على إكماله في جلسة واحدة.
القصص في القرآن ذات سردية جميلة، لا يراد بها سرد تاريخ الأمم أو الأشخاص، وإنما هي عبرة للناس تبين سنن الله في خلقه مع الأقوام الذين كذبوا الرسل وكان عاقبة أمرهم الدمار والنكال، وبيان أصول الدين المشتركة بين جميع الأنبياء من الإيمان بالله وتوحيده وعلمه وحكمته وعدله ورحمته والإيمان بالبعث والجزاء.
القصة في القرآن واقعية لأن الله تعالى أخبرنا فيها ما حصل من أحداث جرت مع الأنبياء والرسل وغيرهم من الأمم السابقة مثل قصة آدم ويوسف وأهل الكهف وصالح وغيرها كما أنها أفضل القصص على الإطلاق وأقواها من حيث البداية والنهاية والحدث والعقدة والحبكة والحل، وقد شرحنا كل ماتقدم عند حديثنا عن قصة أصحاب الجنة، وهي موجودة في مقال الخيال في التجربة الأدبية ومنشورة بهذا الموقع.
وبعد، كانت هذه وقفة مع السرد باعتباره أهم أساليب عرض القصة، ولعل أجمل سردية قرأتها في حياتي هي اسلوب السرد في رواية (قصة موت معلن) للروائي العالمي المبدع ماركيز، وسنلقي الضوء عليها في وقت لاحق. وسنواصل مقالاتنا حول بقية أساليب العرض في المقالات القادمة إن شاء الله.