قراءة نقدية في عناصر فن القصة (٢)
وقفة مع السرد
بقلم مصطفى نصر
ما أن يذكر فن القصة إلا ويذكر السرد؛ لأن السرد هو أسلوب العرض الأساسي في الفن القصصي، ويأتي إلى جواره الوصف للأماكن والخصائص الخلقية والأخلاقية والنفسية للأبطال، كما يأتي الحوار أيضاً مع الوصف لكسر رتابة السرد المتواصل، لأن السرد إذا تواتر بصورة مستمرة قد يصيب القارئ بالملل.
أنواع السرد:
والسرد ثلاثة أنواع، هي:
السرد المتسلسل، والسرد المتقطع والسرد التناوبي.
ويقصد بالسرد المتسلسل ذلك النوع من السرد الذي يبدأ من الأقدم للأحدث، دون تداخل يشوش على عقل القارئ، ويستعمل هذا النظام في نصوص اليوميات، أو السرد التاريخي، فيمر السارد بالبداية، فالحدث المحرك، فالعقدة، فالحل، فالنهاية، وقلنا أن هذا النوع من السرد هو السمة الأساسية للروايات القديمة في بدء ظهور فن القصة، كروايات طه حسين (الأيام) وتوفيق الحكيم (يوميات نائب في الأرياف)، ويحيى حقي (قنديل أم هاشم) ونوال السعداوي (مذكرات طبيبة) وغيرها.
أمَّا السرد المتقطع، فيقوم على عدم الإلتزام بالتتبع المنطقي لوقوع الأحداث، فيختلف زمن الحكاية عن زمن السرد، إذ يقوم السارد بتقديم الحكاية من آخر حدث ثم يعود للأحدث معتمدًا في ذلك على تقنية الفلاش باك والتلخيص وحذف الأحداث غير المهمة وقد رأينا ملامح ذلك في روايات صنع الله إبراهيم، وحنا مينا، والدكتور يوسف إدريس...وغيرهم.
أما السرد التناوبي فيقوم على مجموعة من القصص المستقلة تسير مع بعضها البعض ثم تصل في منتصف الحدث إلى علاقة ما تجمع كل هذه القصص المستقلة مع بعضها لكشف علاقة هذه الأحداث المتفرقة بالحدث الأساسي، وتستخدم هذه التقنية أكثر في المسلسلات التلفزيونية ودونك في ذلك العمل الروائي الذي وجد الاستحسان عند المتفرجين وهو مسلسل (كلبش) يليه مسلسل(الاختيار ١-٤) من بطولة النجم اللامع أمير كرارة.
ولعل سر نجاح هذه السلسلة لارتباطها ببطل بارز من أبطال مصر هو شهيد القوات المسلحة أحمد منسي، وهو ضابط مصري شغل منصب قائد الكتيبة 103 صاعقة المتمركزة بمدينة العريش في شمال سيناء، وخلال مسيرته العسكرية اشتهر بقيادته لعدة حملات لإنفاذ القانون مكونة من أفراد الصاعقة المصرية بهدف القضاء على التنظيمات الإرهابية في شمال سيناء.
تقنيات السرد الروائي
تتألف القصة بصورة عامّة من ركيزتين أساستين:
الركيزة الأولى هي القصة التي يتضمنَّها هذا الكلام والتي يحاول الروائي إيصالها إلى الآخرين، بشتى أساليب العرض الممكنة.
والركيزة الثانية هي الطريقة التي يتوجَّب على القاص أن يؤديَها من أجل إيصال القصة إلى المتلقي بأكبر قدر ممكن من التأثير، والإثارة، والتشويق والترقب، وهذه الطريقة هي التي تسمَّى السرد، ويعتمد السرد على مجموعة من التقنيات التي يرسم الكاتب من خلالها القصة ويشكلها لإيصال الصورة إلى أذهان الجمهور، حيثُ تمثِّل الأعمدة التي تتولى رفع سقف الرواية حتى تصل إلى الجمهور مكتملة التكوين.
وتتمثل أهم تقنيات السرد الروائي في:
١- زمن السرد: حيثُ يعدُّ اختيار زمن محدَّد للسرد ووضع الأحداث ضمن سياق أو إطار زمني معيَّن للقصة من أهم تقنيات السرد الروائي، وذلك في مختلف الأزمان التي قد تقع فيها أحداث الرواية الأدبية أو القصة من ماضٍ أو حاضر أو مستقبل.
٢- الصوت الداخلي للسرد:
حيث تمثِّل هذه التقنية نوعية أو شكل الطرح الذي سيتمُّ تقديم الأحداث من خلاله أو بمعنى آخر هو عرض تقديمي يقوم بالإبلاغ عن القصة وأحداثها وهو الذي يسمَّى الراوي، ويختلف هذا الصوت حسب كل قصة وحسب اختيار الكاتب نفسه، فيكون هناك عدة أنواع من الرواة منهم:
الراوي بضمير المتكلم مثل شخصية مصطفى السعيد، في موسم الهجرة للشمال (للطيب صالح) الذي يبدو كأنه الكاتب نفسه، وهو ماظل يعتقده كثير من النقاد، رغم تأكيد الكاتب في أكثر من حوار خطأ هذا الافتراض.
والراوي المجهول، وهو الذي يعرف كل شيء عن أحداث الرواية ويكون طرفا فيها، وموجودا في الرواية بضمير الغائب.
والراوي الذي يكون شاهدًا على الأحداث رغم أنه ليس أحد أبطالها.
٣- وجهة نظر الكاتب:
وهي إحدى التقنيات التي تمثِّل العدسة الشخصية أو غير الشخصية أو الرؤيا للكاتب أو السارد نفسه، وهي العلاقة القائمة بين الكاتب والعالم المبنيِّ داخل السرد، وتحدد غاية الكاتب من وجود الراوي شروط اختيار هذه التقنية، وتتنوع بين أن تكون موقف الكاتب من حدث ما أو موضوع ما، مشاعره الوجدانية وعواطفه، وطريقة لتنويع قراءة النص وإيصاله للقارئ.
وبالإضافة إلى تلك التقنيات الثلاث التي تمَّ تسليط الضوء عليها فإنَّ تقنيات السرد لا تقتصر على ذلك فقط فمنها أيضًا: الحبكة، والاسترجاع الفني، والحذف، والوصف، والتلخيص، وغيرها، وفيما يأتي بالمقال القادم باقي التقنيات الأخرى للسرد الروائي.
تمت المراجعة والتنسيق من قبل فريق مجموعة ريمونارف الأدبية