قراءة نقدية في عناصر فن القصة (12)
عنصر الزمان في القصة
بقلم: مصطفى نصر
للقصة خمسة عناصر أساسية مهمة، هي: الشخصيات، المكان، والزمان، والحبكة، والصراع، والقرار.
وهذه العناصر الأساسية تحافظ على القصة وتجعلها تسير وتتطور بسلاسة وبطريقة منطقية للقارئ حتى لا يجد قفزات خيالية لا يستطيع ذهنه استساغتها، وبالطبع فإن عنصر الزمان هو عنصر أساسي، حيث أن الزمن من خصائص القصة وهو شيء يصعب الإمساك به، تدركه عقولنا ولا نستطيع إدراكه بحواسنا.
والزمن يرتبط بالمكان والحركة التي لولاها لما استطعنا إدراك الزمن، فحركة الأرض حول نفسها تنتج الليل والنهار، بينما تنتج حركتها حول الشمس الفصول الأربعة وما يترتب عليها، والزمان تابع للحركة ناتج عنها، والحركة لا يمكن أن تحدث إلا في المكان، لذا فإن عنصر الزمان يتفاوت بحسب نوع الفن القصصي، فالقصة والرواية يتطاول فيها الزمان، ويمكن أن يمتد إلى أجيال متعاقبة، بينما الأقصوصة لا تسمح بالتطاول في الزمان؛ بل يحدد بعض النقاد الزمان في القصة القصيرة بيوم أو جزء منه.
إن أول ما يتبادر لأذهاننا عند الحديث عن الزمان ألفاظ بعينها مثل: (ساعات – دقائق – اليوم التالي– الأسبوع – الشهر – السنة – الموسم – الربيع – الخريف – الصيف – الشتاء – النهار – المساء – غروب الشمس – الشروق – وليمة الصيام … إلخ) (الوقت التاريخي – الوقت النفسي – آخر مرة – وقت لاحق – وقت – وقت راحة – دورة زمنية) وهذه الألفاظ تتوزع بين وقت تأريخي ووقت نفسي.
فالوقت النفسي (المروي) قد يمتد أكثر من اللازم عن الوقت الواقعي، خاصة عندما تكون اللحظة التي يقف عندها القاص حاسمة وذات دلالة خاصة ومفصلية، إذ يستغرق الوقوف على تفاصيلها حديثًا مطولاً وتفاصيل كثيرة تجعلك تشعر بأنها تجاوزت الوقت التاريخي بكثير، فأنت في حياتك اليومية قد تمر بوقت قصير لكنه بأبعاده النفسية كأنه دهر، كليل امرؤ القيس الذي رآه طويلا جدا، وكليل المكلوم بالحمى الذي يمتد كأنه عامًا، أما لحظة السعادة فهي قصيرة جدا حتى ولو طالت.
والزمن المروي في القصة القرآنية قد يقصر جدا أحياناً، بسبب عدم الإحساس به نتيجة فقدان الحياة والوعي، فمن يخرج عن الوعي بسبب النوم أو الموت يرى الزمن مهما تطاول هو (يوم أو بعض يوم) رأينا ذلك في مقامات مختلفة شملت من ماتوا آلاف السنين بعد النفخ في الصور، كما شملت أصحاب الكهف الذين لبثوا ثلاثمائة وتسع سنوات، وصاحب الحمار الذي لبث مائة عام.
فقد تكلم المفسرون على الآيات التي تحدث فيها الكفار عن مدة لبثهم في البرزخ واستقلالهم إياها وخلافهم في قدرها، فبعضهم يقول: لبثنا يوما أو بعض يوم، ويقول بعض آخر منهم: لبثنا ساعة، ويقول بعض آخر منهم: لبثنا عشية أو ضحاها يعني نصف يوم إما نهارًا أو ليلة، وقال أكثرهم مبالغة في تقدير وقت الوفاة: لبثنا عشرا.
لاحظ مثلا قوله تعالى: فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ـ أي أحياه: قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ـ أي: كم مكثت؟ يقال: لما أحياه الله بعث إليه ملكا فسأله كم لبثت؟ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا ـ وذلك أن الله تعالى أماته ضحى في أول النهار وأحياه بعد مائة عام في آخر النهار قبل غيبوبة الشمس، فقال: لبثت يوما وهو يرى أن الشمس قد غربت، ثم التفت فرأى بقية من الشمس فقال: أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ـ بل بعض يوم، قَال الملك: بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ ـ يعني التين، وَشَرَابِك ـ يعني العصير ـ لَمْ يَتَسَنَّهْ، أي لم يتغير، فكان التين كأنه قطف في ساعته، والعصير كأنه عصر في ساعته، قال الكسائي: كأنه لم تأت عليه السنون
يقول المفسرون إن هذا التضارب في التقدير سببه إما أن يكون شدة العذاب أنستهم مدة البرزخ، أو أنهم استقصروا مدة لبثهم في الدنيا وفي القبور، ورأوه يسيرا بالنسبة إلى ما هم بصدده من الدار الآخرة التي هي الأطول من كل لبثهم في الدنيا أحياءً وأمواتاً.
وقد يتضاعف الزمن أيضاً في بعض اللحظات الإنسانية لشخصيات مختلفة من القصص القرآني كلحظات الغرق ولحظات الولادة ولحظات الخوف والقلق، ولحظات الفراق واللقاء، ولحظات الحسم والنصر.
قال تعالى: {حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله}، فالزمان المروي إذاً لا يتطابق مع الزمان الواقعي وإليك في ذلك مرجعا هاما هو كتاب الناقد الفرنسي بول ريكور (الزمان والسرد)؛ الذي تناول فيه باستفاضة فكرة الزمان المروي مقارنة بالزمان الواقعي.
ويرتبط الزمان بالمكان ارتباطا عضوياً، فالحكي عن مكان ما في القصة دون الإشارة لزمان محدد، يعتبر عملا لا يرقى لمستوى الفنية ولا الأدبية، وكذلك الحديث عن زمان غير محدد بالمكان، لذلك فإن الحديث عن أحدهما يؤدي بطبيعة الحال للحديث عن الآخر ولكل منهما تأثير على الآخر.