قراءة نقدية في عناصر فن الرواية (٥)
بقلم مصطفى نصر
الحوار في فن القصة
الحوار هو الأداة الرئيسية والسمة البارزة في فن المسرح، لكنه يأتي في الرواية إلى جوار السرد والوصف كأداة مساعدة في فن القصة التي يعد السرد فيها هو العنصر الأساسي، إنه أقدر الأساليب على إقناع القارئ بأن الشخصيات الروائية حية ويمكن أن يوجد لها مثيل في الواقع المعيش.
ورغم أن النقد القصصي يركز على أن الحوار يجب أن يكون أقل مساحة من السرد، إلا أن هنالك روايات استخدمت الحوار بصورة تكاد تكون قريبة من السرد ورغم ذلك كانت هذه الأعمال القصصية ناجحة جدًا؛ منها رواية "خماسية مدن الملح" لعبد الرحمن منيف، ورواية "اللص والكلاب" لنجيب محفوظ وغيرها، وقد عاب بعض النقاد على محفوظ الإطالة في الحوار في أكثر رواياته، وهو أمر يحتمل الأخذ والرد لأن طول الحوار لم يضر بالرواية ولا يستطيع أحد أن ينكر ذلك.
والحوار طريقة من طرق التواصل، وتبادل الحديث بين طرفين، أو عدة أطراف، ويشكل الحوار في الرواية قاعدة أساسية وعنصرًا هامًا في العرض، ومن وظائفه أنه يعرِّف القارئ بشخصيات الرواية وطباعها وخصائصها النفسية، وطرق تفكيرها، كما أنه يؤجج الصراع ويكثف الحبكة القصصية، ويكسر من رتابة السرد، ويمنح مساحة استراحة لنظر القارئ، وهو مناسب لعرض المعلومات والتواريخ بعيدًا عن مباشرة السرد.
والحوار على ضربين:
حوار داخلي؛ ويسميه النقاد (المنلوج) وهو حوار البطل مع نفسه، وله مزاياه الخاصة في كشف التركيبة النفسية للبطل وخصائصه الوجدانية، ودوافعه للسلوك الذي سلكه في النص سواء أكان طيبًا أو شريرًا، وخير نموذج لذلك الحوار الداخلي الذي أجراه ديستويفسكي في روايته الشهيرة (الجريمة والعقاب).
أما الحوار الخارجي الذي أطلق عليه النقاد لقب (الديالوغ) فهو حوار يجري بين شخصين أو أكثر من أبطال العمل القصصي، وهو أكثر مباشرةً ووضوحًا إذ أنه يساعد في كشف مجرى الأحداث وخصائص الشخصيات، وهو الأكثر شيوعًا في القصص والروايات، إذ أن الحوار الخارجي يساعد القارئ على الإمساك بحبكة القصة وفهم الصراع الحقيقي بين الشخصيات.
وقد اختلف النقاد حول لغة الحوار، ورغم اتفاقهم على ضرورة فصاحة لغة السرد ولغة الوصف، إلا أنهم انقسموا في لغة الحوار إلى ثلاثة فرق:
فريق قال يجب أن يكون الحوار مماثلاً لكلام الناس في الواقع باللغة العامية التي يتحدث بها الناس عادة، مع تنويع الخطاب بحسب أقدار المتكلمين، فإذا كان الشخص بسيطًا كطبقة الحرفيين وأصحاب المهن الهامشية من الأميين يجب أن تكون اللغة بسيطة جدًا، وإذا كان الشخص صاحب ثقافة متوسطة فيجب أن تكون اللغة متوسطة، وإذا كان صاحب ثقافة عالية ترتفع لغته، وحجة هؤلاء هي ضرورة تحقيق الواقعية، ومن بينها واقعية اللغة من جهة، ولأن اللغة الفصيحة تكون شاذة خاصة مع الأبطال البسطاء والأميين.
وفريق آخر رأى أن تكون لغة الحوار فصيحة، لأن وظيفة الأدب هي الارتقاء بالقارئ، وليس النزول معه للحضيض، وقد فندوا حجة أنصار الحوار بالعامية، بأن الواقعية ليست واقعية اللغة، بل هي واقعية الأفكار والأساليب والرؤى، كما أن اللغة الفصيحة يمكن أن تعبر عن الأشخاص البسطاء بلغة بسيطة، واصفين أهل مناصرة العامية، بأنهم يضمرون شرًا بتراثنا اللغوي الموروث من الأجداد، كما يصفونهم بالتحلل من تراثنا القديم.
أما الفريق الثالث فقد توسطوا بين أنصار العامية وأنصار الفصحى فقالوا أنه لابد من إيجاد وابتكار لغة خاصة هي عامية مفصحة أو فصحى معممة؛ كلغة سلسة تمزج بين العامية والفصحى. فلا تستغلق على الناس باستخدام الغريب الوحشي من اللغة الفصحى، ولا تنحط إلى درك اللغة العامية المبتذلة.
وبعد، هذه كانت نبذة مختصرة عن تعريف الحوار القصصي وأنواعه وموقعه بين العامية والفصحى، وللحديث بقية إن مد الله في الأجل إن شاء الله.
تمت المراجعة والتنسيق من قبل فريق مجموعة ريمونارف الأدبية.