قراءة نقدية في عناصر فن القصة (١٤)
القصة الرواية الأقصوصة والقصة متناهية الصغر
بقلم: مصطفى نصر
كان النقد القديم يتحدث عن القصة كنوع أدبي غير الرواية، وغير القصة القصيرة، وقالوا إن القصة متناهية الطول كالرواية وتتشابك فيها الأحداث وتكثر فيها الشخصيات وتتنوع بين شخصيات أساسية ومساعدة، سوى أنهم ميزوا الرواية بأنها
أقرب للتاريخي من الواقعي، وخصوا القصة بالواقعي وقصص الخيال العلمي، كما أنهم ميزوا الرواية بتعدد الأجزاء، بينما القصة نص قصصي مطول لكنه لا يتعدى الجزء الواحد، سوى إن مصطلح القصة في عصرنا الراهن أصبح ينصرف للاقصوصة أو القصة القصيرة التي لا تتعدى بضع صفحات فقط.
والرواية أطول النصوص القصصية بإجماع النقاد، تليها القصة وهي طويلة سوى أنها أقل طولًا من الرواية، ثم القصة القصيرة وهي الأقصر اذ لا تتجاوز ١٠ صفحات، ثم سادت في العصر الحديث وشغلت الناس القصة المتناهية الصغر التي تمتاز بالتركيز الشديد وقد لا تتجاوز في بعض الأحيان أربعة سطور فقط، وسنتحدث بعد قليل عن خصائص كل فن من هذه الفنون القصصية بحول الله وقوته.
يتساءل النقاد عن العلاقة بين الرواية والتاريخ، وهل هي تاريخية بدون همز أم تأريخية بالهمزة، ورجحوا أن الأصح هو أن الرواية تأريخية (بالهمزة) إذ أنها تعيد قراءة بعض الأحداث التاريخية وتسقطها غالبا على الواقع، لكنها ليست سرداً لأحداث التاريخ لذاته كالمؤرخين، ويكاد النقاد يجمعون على أن العلاقة بين التّاريخ والرواية علاقة إشكالية حيث تتداخل وتتشابك بينهما الكثير من الخطوط، خاصّةً وأنّهما يعتمدان على الكثير من المكوّنات المشتركة كالإنسان والزمان والمكان والطابع القصصي، سوى أن المؤرخ يلتزم بالحقائق التاريخية كما حدثت في الواقع بالضبط، سوى أن الروائي يحق له أن يمزج التاريخي بشيء من الخيال.
فما من رواية إلّا وتقوم ـكالتاريخ- على بنية زمنية تاريخية تتشخص في فضاء مكاني وتمتد من الماضي إلى لحظة الكتابة وقد تتجاوزها إلى المستقبل، وكذلك التّاريخ. ولا تاريخ دون قصّ كما قال كروتشة، فهو نوع من الرواية لأحداث وقعت في الماضي، ونمط من الحكاية عن أشخاص وظواهر وأحداث اجتماعية واقتصادية وسياسية، ولعلّ هذا ما دفع بمحمود أمين العالم إلى القول بأن الرواية هي تاريخ متخيل داخل التّاريخ الموضوعي، إذ أنها ، تصور تداعيات الأحداث التاريخية على الأرض والبشر الضحايا، الذين يعيشون في الظل بعيدا عن شموس قيادة الحدث، كما أنّه يدون حياة تلك الشخصيات المرمية على هامش الحياة.
وقد جعل بعض النقاد الرواية التاريخية فرعاً من فروع الرواية كروايات سليم البستاني (1848/ 1881) التي مثلت أول نواة للرواية العربية، وقد تناول البستاني في رواياته ( زنوبيا وبدور والهيام في فتوح الشام) حقبا تاريخية محددة لتعريف الشباب بها، ومثله في هذا الصنيع جورجي زيدان ١٨٦١- ١٩١٦) الذي ألف ٢٣ رواية سماها تاريخ الاسلام، وقد عد بعض النقاد جورجي زيدان بانه أب الرواية التاريخية. كما تناول الرواية التاريخية علي احمد ياكثير (1914- 1955) مهتما بانتصارات المسلمين على التتار و عبر رواياته وا إسلاماه وسلامة القس والثائر الأحمر وغيرها
ليس المطلوب من الكاتب التدليل على زمن وقوع الأحداث بالدقة المطلوبة لدى المؤرخ، وإن حدث ذلك فهو اختياري بالنسبة له، رغم أنه يخرج الرواية من فضاءاتها كعالم خيالي، ويدخلها في عالم الحقيقة البحت.