قراءة نقدية في عناصر فن القصة (13)
الحبكة القصصية
بقلم: مصطفى نصر
الحبكة في اللغة من حبك (بفتح الحاء) ومصدرها حَبكا أي الشد الوثيق، وحبك الشيء- شده شداً وثيقاً. وفي المعجم الوجيز: أي أحكمه ويقال حَبَك الأمر أحسن تدبيره والثوب ثنى طرفه وخاطه، وفي مختار الصحاح: عن ابن الأعرابي “أن كل شيء قد أحكمته وأحسنت عمله فقد (احتبكته).
أمَّا الحبكة في اصطلاح النقاد فهي مصطلح تم استحداثه مؤخرًا في لغة النقد الأدبي، وهي تعني بتنظيم حركة أفعال الشخصيات في الزمان والمكان، وهي بنية مؤلفة من مجموعة أحداث مترابطة فيما بينها، قد تتشابك بسبب تعارض الرغبات وبسبب عوامل خارجية لا سلطة للإنسان عليها. ترتبط الحبكة ارتباطًا وثيقًا بالجانب الدرامي في فنون السرد مثل الملحمة، الرواية.
ويرى الناقد الأدبي فورستر في كتابه سمات الرواية، الذي نشره عام 1927، أن الحبكة تختص بالتنظيم السردي في الرواية، وتختلف مع القصة والحكاية في أن القصة ما هي إلا سرد للأحداث وفق تتابعها الزمني، أما الحبكة في الرواية فهي تنظم الأحداث وفق مبدأ السببية.
إذاً ولا بدّ، كذلك، أن تخضع الحبكة لقواعد معينة، ما كنت لأقول: "صارمة"ولكن تحافظ على الأقلّ على الحبكة بعناصرها الخمسة الأساسية: الزمان، المكان، الشخصية (الشخصيات)، الحدث (الأحداث) والراوي.
ولها ثلاثة عناصر أساسية هي:
أ. الذروة: وتعني النقطة التي تتأزم فيها الأحداث، فتصل العقدة إلى أقصى درجات التكثيف والتوتر.
ب. الحدث النازل: الذي يعقب الذروة حيث يخف التوتر رويداً رويداً ويشعر القارئ بانتهاء الذروة تمهيداً للحل.
ج. الحل أو الخاتمة: وهو القسم الأخير من العقدة وفيه تأتي النتيجة التي ستنتهي إليها أزمة الرواية.
ولتحديد مفهوم الحبكة نقدم فيما يلي الحبكة في رواية شهيرة ترجمت الى عشرات اللغات وبيع منها 3 مليون نسخة هي رواية (الخيميائي) التي كتبها باولو كويلهو، برازيلي الموطن موسيقيّ الهوى والهواية، ألف الرواية عام1988م واحتفت بها مئاتُ المكتبات، وتربّع الكاتبُ على عرشِ الأكثر والأول في عديد التصنيفات، وسجل اسمه في كتاب غينيس للرواية الأكثر مبيعًا والأكثر ترجمة والأكثر قراءةً وأولُ من تعدت ترجماتُ روايتهِ حدود الاحدى عشرة لغة.
تدور أحداث الرواية في مجملها حول شابٍّ يبحثُ عن أسطورته الشخصيّة، أو تحقيق الحلم، يتلقّى الشابّ "سنتياغو" أحلامًا وإشارات، يقرر المضيّ، وفي طريقه نحو حُلمه المنشود سيعبرُ محطات ويلْتقي بشخصيّات ويمرّ بمواقف ويشاهدُ حروبًا ويقع في الأسرِ ويقع أيضًا في الحب، صِعابٌ وإذلالٌ وحظ يبرُق ويخفت وحلمٌ دفين.
كلّ ذلك -رموز- على سبيل العقبات التي نجحَ سنتياغو في تجاوزها، حتى الحبّ وما فيه من لوعة وتعلّق وحنين، لم يمنعه من متابعة طريقهِ نحو الأهرامات، موطنُ حلمهِ، يشاهدُ الكون في طريقه، يتأمّل ويفكر ويناقش ويتلقّى مزيدًا من الإشارات، ليصل أخيرًا فيجد أنها علامةٌ أخرى "رسالة- إشارة" للوصول إلى حلمه!
قد يعتقد البعض أن فكرة رواية الخيميائي هي فكرة بسيطة تدل على السعي وراء الغاية والهدف، لذا ما هو السبب وراء انتشار الرِواية بهذا القدر، وحتى نتوصل إلى هذا السر الكبير يجب علينا أن نتخلى عن النظرة السطحية:
لكن بالرغم من بساطة الرِواية التي يمكن اعتبارها كتابا للتنمية البشرية، لكن بسرد يقوم على فن القصة، إلا أنها تحمل موضوعاً فلسفياً عميقًاً، كما تجيب عن عدة تساؤلات تشغل بال الكثيرين. لكن في نهاية المطاف يجب أن نقول إن الرواية لم تتمكن من معالجة القضية بقدر ما قدمت لها بيئة ومحيط مناسب للحديث عنها.
باختصار الهدف من رواية الخيميائي هي أن تكون موسوعة شاملة للوصول للهدف، لكن بطريقة مسلية من حيث الصياغة. تحمل جميع النصائح التي يمكن أن يحتاج إليها الأشخاص الذين يبحثون عن أحلامهم. ويوجد في الرِواية دافع حث الأشخاص على السعي أكثر في سبيل تحقيق أحلامهم.
ويمكننا أن نقتبس هدف الرواية من خلال كلام الكاتب. حيث يقول خلال حديثٍ له عنها أنه كان لديه عمل، وكان لديه امرأة يحبها، وكان يمتلك المال. لكن بالرغم من ذلك لم يحقق حلمه، وبالتالي لم يكن سعيداً. فهذه الصورة الجميلة لم تكتمل إلا عندما تمكن من تحقيق حلمه من خلال أن يصبح كاتبًا.
وقد جمعت الحبكة بعناصرها الخمسة الأساسية: الزمان، المكان، الشخصية (الشخصيات)، الحدث (الأحداث) والراوي، كما أنها وصلت للذروة بكثرة المصاعب والمعوقات التي حالت بينه وبين هدفه، ثم مع بداية تجاوز العقبات الواحدة تلو الأخرى نصل للحدث النازل نحو الحل من خلال إشارات محددة، إلى أن نصل إلى الحل والخاتمة عبر أدوات الرواية التي أمسك بها الكاتب ببراعة، ووظفها توظيفا فنيا رائعا.