فن بناء الشخصية القصصية(4)
بقلم: مصطفى نصر
من أهم ما يجب التنبيه إليه في بناء الشخصية القصصية، على كاتب القصة تجنب فشل بناء الشخصية القصصية، ولعل أكبر العوامل لفشلها، هو قتل الشخصية، بعدم تطويرها، واهمالها كلياً بعد الإضاءة عليها، والرواية الناجحة هي التي تعتمد في بعدها البطولي على شخصية تختزن في عقلها ووجدانها بذور الصراع، وتتحرك داخل السرد بموجبه، أي أن تتميز بوجودها وعواطفها وأفكارها، ويكون حضورها معادلاً لبؤرة التوتر الدرامي للنص الروائي.
فالشخصية الحية يجب أن تكون نامية ومكثفة تنحى للتكامل ولا تتوقف عن النمو حتى آخر لقطة في الرواية، ولذلك تبدو هذه الشخصية محط اهتمام الروائي والقارئ، حيث يتم تقديمها من خلال ثلاثة مصادر هي بمثابة كُتل كلامية بالمفهوم النقدي، أولها: ما تطرحه هذه الشخصية عن نفسها، وثانيها: ما تقدمه الشخصيات الأخرى عنها في مفاصل الرواية، وثالثها: المعلومات الضمنية التي لا يُصرح بها، ويمكن استخلاصها أو استشفافها من خلال أفعال الشخصية وسلوكها.
كما انً مما يؤدي لفشل الشخصية القصصية:
١/ الاعتماد بشكل كامل على الصور النمطيّة في كلّ جوانب القصّة دون استغلالها والبناء عليها.
٢/ رمي المعلومات بشكل مباشر وكأنّها مسرودة من ملفّ الشخصيّة بدلاً من كشفها بما يلائم السياق.
٣/ عدم فهم الطريقة التي تتفاعل فيها الصفات مع بعضها، وتجنّب إظهار تأثير هذا التفاعل بين الصفات على الشخصيّة والقصّة.
٤/ عدم إظهار تأثير الصفات الشخصيّة على أفعالها من الأساس.
٥/ الهرب من استخدام الصفات في حلّ للعقد الظاهرة في القصّة، والاعتماد على الطرق السهلة التي لا تحتاج لإظهار أي جزء من الشخصيّة نفسها في الحل. قد يكون هذا ضرورياً في بعض الأحيان لإبقاء بعض صفات الشخصيّة مخفيّة لوقت لاحق، الأمر يعتمد على السياق كالعادة.
٦/ تجنّب وضع الشخصيات التي تختلف في صفاتها وطرق تفكيرها في صراعات مع بعضها، وتجنّب خلق نقاشات بين هذه الشخصيات والاكتفاء بإعادة سرد حقائق يعرفها القارئ أو المتابع سابقاً لتبرير “حلّ التضاد” بين الشخصيات المتقابلة.
٧/ تجنب الحديث عن سبب كون الشخصية الرئيسية هو “الشخص المختار” والحديث عن دوره في الصراع.
٨/ استبدال الصراع الداخليّ – بالحوار الداخليّ – لتجنّب الأوّل.
٩/ عدم إظهار صفات الشخصية ضمن الأجزاء الحركيّة والتفاعليّة في القصّة، والاكتفاء بعرضها بطريقة عامّة.
وينبغي على الكاتب حين يقرر تخليق شخصية مؤثرة وفاعلة أن يتنقل في ثلاثة حقول توليدية واستقبالية، أي أن يكون هو الكاتب والقارئ والشخصية، لتتعدّد عنده زوايا النظر إلى الوجود والنص في آن، ويمنع بروز أي رؤية أحادية مهيمنة، فيما يسمح للبؤرة العاطفية بالدوران تحت سطح النص الخارجي والالتحام العضوي بالحبكة التي تعمل كأرضية تشكيلية وتوجيهية للشخصية.