بين يدي هذه الرواية
بقلم: مصطفى نصر
جهاد السمان اسم روائي قادم بقوة ليخط بصمته في عالم الرواية مع الكبار، إنها ظاهرة جديدة تكتب الرواية بطريقتها الخاصة، لا تشبه أحداً ولا تسير على خطى أحد، ولا تقلد أحدا، إنها تكسر أطر النمطية والمعتاد، لترسم عوالمها بخطوط نثرية لكنها تنطلق من قاعدة مليئة بالشعرية، الشعرية بكل مقوماتها الموضوعية والوجدانية نقلتها إلى فن الرواية.. ممسكة بقوة بأدواتها الفنية تتلاعب بها كيفما شاءت، لتنقل القارئ من مفاجأة إلى مفاجأة، حريصة على أن تترك خفايا قصتها بيدها هي فقط، لا تكشف عنها إلا في الزمان والمكان الذين تريدهما هي، وتنقل القارئ إلى أسرارها وخفاياها بالتدريج، ما أن يخرج من مفاجأة إلا ويقع في مفاجأة لم تخطر حتى على باله.
(احببتك مرتين) عمل روائي جديد بمعنى الكلمة، تتمشى فيه الحداثة مع خيوط لغته وعالم المعلوماتية المتطور كل صباح، نتنقل معها عبر الجوال والبريد الإلكتروني ووسائل التواصل الحديثة والطائرات والتليفريك ، وقد واءمت بين طرق العرض المختلفة متخذة طريقة السرد - الأداة الرئيسة في فن القصة تارة - لتكسر من رتابة السرد المتواصل بالوصف تارة وبالحوار الموظف فنيا بعناية تارة أخرى، بلغة بسيطة تتناسب مع أحوال أبطالها وقدراتهم العقلية، بلغة لم تنحدر للغة العامية المحكية، ولم تترفع إلى لغة فصحى متقعرة تستغلق على الأفهام، تشعر بأنها وظفت كل كلمة في النص بالقسطاس المستقيم، ليكشف عن جانب فكري أو وجداني في النص ويطور الحدث الروائي.
كانت الكاتبة موفقة في اختيار قاموس لغوي مناسب لهذه القصة التي لا تخلو من الرومانسية، مبتعدة عن الثرثرة المملة وفضول الكلام، لا تترك لرتابة السرد تحكماً في النص ليصيب القارئ بالضجر، منوعة في السرد بين السرد المتواتر تارة والسرد المتقطع تارة، والسرد عبر (الفلاش باك) لتكملة بعض التفاصيل التي تجترها من الماضي استكمالا للحدث وإضاءة لجوانبه المختلفة.
تتسلسل الرواية بصورة منطقية لا نجد فيها أحداثا تتسم بالمبالغة، أو مخالفة لناموس الكون، حيث أن أحداثها من الشائع المعتاد بين البشر، يمكن أن يقع مثلها على أرض الواقع في أي مجتمع شرقي يتسم بالمحافظة، والتحفظ في شكل العلاقات بين الذكر والأنثى، في أي زمان ومكان، ولجأت إلى فرضية فقدان البطل للذاكرة، في آخر النص لنقلة نوعية نحو نهاية مفاجئة للأحداث تكشف عن أطماع وفظائع الإنسان الذي قد يميل إلى الشرور أحيانا للوصول لغاياته، وإن أدى الأمر إلى أذية الآخرين، باستخدام السم تارة أو حوادث السير مما أضفى على الرواية شيء من الآكشن، وناقشت بشكل ذكي خطط الغرب اللئيمة لتقسيم المسلمين إلى سنة وشيعة، ومناقشة تصرفات القدرة الإلهية في الجمع بين أطراف قد تكون متناقضة، التي جعلت قاسم لسهى بدلا من ابنة عمه (فيلا) التي رشحها له جده.
توزعت شخوصها الفنية بين شخصيات أساسية كبطل الرواية قاسم الإيراني وبطلتها سهى صلاح، استطاعت الكاتبة أن ترسم لنا بتعمق أكثر ملامح شخصيتيهما الرئيسيتين الظاهرية، الشكلية، الاجتماعية، والوجدانية، ترافقهم شخصيات ثانوية أهمهم مساعدة البطلة صديقتها منذ الصغر فريدة وأمها، وأم البطل قاسم وجده خورشيد وابنة عمه فيلا، وعم البطل جعفر الشرير، يليهم من حيث الأهمية د. نزار ثم زميلاتها وزملائها من الدارسين معها في نفس القسم، وكانت بارعة في اختيار أسماء لأفراد الأسرة الإيرانية من الأسماء السائدة هناك.
تقتضي أصول بناء الشخصية الروائية أن تتنوع الشخصيات بين شخصيات مسطحة لايتم كشف هويتها بالتفصيل وشخصيات معمقة تكشف معالمها بصورة كبيرة من كل الجوانب.
أتمنى ان اكون قد اضئت فيما قدمته من دراسة نقدية هذه الرواية
مع الأمنيات بالتوفيق للجميع